بألسنتنا وصارت صفات لنا فإنا على قطع نعلم افتتاحها واختتامها وتعلقها بأكسابنا وأفعالنا وقد بذلت السلف أرواحهم وصبروا على أنواع البلايا والمحن من معتزلة الزمان دون أن يقولوا : القرآن مخلوق ، ولم يكن ذلك على حروف وأصوات هي أفعالنا وأكسابنا ، بل هم عرفوا يقينا أن الله تعالى قولا وكلاما وأمرا ، وإن أمره غير خلقه بل هو أزلي قديم بقدمه كما ورد ذلك في قوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤] ، وقوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ، وفي قوله سبحانه : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] ، فالكائنات كلها إنما تتكون بقوله وأمره وقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ، وقوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) [البقرة : ٣٠] ، (وَإِذْ قُلْنا) [البقرة : ٣٤] ، (قالَ اللهُ) هذا كله قول قد ورد في السمع مضافا إلى الله تعالى أخص إضافة من الخلق فإن المخلوق لا ينسب إلى الله تعالى إلا من جهة واحدة وهو الخلق والإبداع والأمر ينسب إليه لا على تلك النسبة وإلا فيرتفع الفرق بين الأمر والخلق والخلقيات والأمريات.
قالوا : من جهة المعقول العاقل يجد من نفسه فرقا ضروريا بين قال وفعل وبين أمر وخلق ولو كان القول فعلا كسائر الأفعال بطل الفرق الضروري فثبت أن القول غير الفعل وهو قبل الفعل وقبليته قبلية أزلية ، إذ لو كان له أول لكان فعلا سبقه قول آخر ، ويتسلسل ، ثم لما أجمعت السلف على أن هذا القرآن هو كلام الله تعالى لم يرد مناهج إجماعهم ولم يبحث أنهم أرادوا القراءة أو المقروء والكتابة أو المكتوب ، كما أنهم إذا وصلوا إلى تربة الرسولصلىاللهعليهوسلم قالوا هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحيوا وصلوا وسلموا تسليما من غير تصرف في أن المشار إليه شخصه أم روحه.
وحققوا زيادة تحقيق فقالوا : قد ورد في التنزيل أظهر مما ذكرناه من الأمر وهو التعرض لإثبات كلمات الله تعالى حيث قال عز من قائل : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) [الأنعام : ١١٥] ، ثم قال : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) [يونس: ١٩] ، وقال : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) [الكهف : ١٠٩] ، وقال : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ