يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧] وقال : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) [السجدة : ١٣] ، (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) [غافر : ٦] ، فتارة يجيء الكلام بلفظ الأمر وتثبت له الوحدة الخالصية التي لا كثرة فيها (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر : ٥٠] ، وتارة يجيء بلفظ الكلمات وتثبت لها الكثرة البالغة التي لا وحدة فيها ولا نهاية لها (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧] ، فله إذا أمر واحد وكلمات كثيرة ولا يتصور إلا بحروف فعن هذا قلنا : أمره قديم وكلماته كثيرة أزلية والكلمات مظاهر الأمر للأمر والروحانيات مظاهر الكلمات والأجسام مظاهر الروحانيات والإبداع والخلق إنما يبتدئ من الأرواح والأجسام أما الكلمات والحروف فأزلية قديمة فكما أن أمره لا يشبه أمرنا وكلماته وحروفه لا تشبه كلماتنا وهي حروف قدسية وعلوية وكما أن الحروف بسائط الكلمات والكلمات أسباب الروحانيات والروحانيات مدبرات الجسمانيات وكل الكون قائم بكلمة الله محفوظ بأمر الله تعالى ولا يغفل عاقل عن مذهب السلف وظهور القول في حدوث الحروف فإن له شأنا وهم يسلمون الفرق بين القراءة والمقروء والكتابة والمكتوب ويحكمون بأن القراءة التي هي صفتنا وفعلنا غير المقروء والذي ليس هو صفة لنا ولا فعلنا غير أن المقروء بالقراءة قصص وأخبار وأحكام وأوامر وليس المقروء من قصة آدم وإبليس هو بعينه المقروء من قصة موسى وفرعون وليس أحكام الشرائع الماضية هي بعينها أحكام الشرائع الخاتمة فلا بد إذا من كلمات تصدر من كلمة وترد على كلمة ولا بد من حروف تتركب منها الكلمات وتلك الحروف لا تشبه حروفنا وتلك الكلمات لا تشبه كلامنا كما ورد في حق موسى عليهالسلام سمع كلام الله كجر السلاسل وكما قال المصطفى صلوات الله عليه في الوحي : «أحيانا يأتيني كصلصلة الجرس وهو أشد عليّ ثم يفصم عني وقد وعيت ما قال» والله أعلم.