القاعدة الرابعة عشرة
في حقيقة الكلام الإنساني والنطق النفساني (١)
ذهب النظام إلى أن الكلام جسم لطيف منبعث من المتكلم ويقرع أجزاء الهوى فيتموج الهوى بحركته ويتشكل بشكله ثم يقرع العصب المفروش في الأذن فيتشكل العصب بشكله ، ثم يصل إلى الخيال فيعرض على الفكر العقلي فيفهم ، وربما يقول الكلام حركة في جسم لطيف على شكل مخصوص ، ثم تحير في أن الشكل إذا حدث في الهوى أهو شكل واحد يسمعه السامعون أم أشكال كثيرة ، وإنما أخذ مذهبه في هذه المسألة وغيرها من المسائل من مذهب الفلاسفة غير أنه لم يفهم من كلامهم إلا ضجيجا ولم يورده نضيجا.
وأما الفلاسفة فالنطق عندهم : يطلق على نطق اللسان وهو حروف منظومة بأصوات مقطعة في مخارج مخصوصة نظما يعبر عن المعنى الذي في النفس بحكم الاصطلاح والمواضعة أو بحكم التوقيف والمصادرة ويطلق النطق على التمييز العقلي والتفكير النفساني والتصوير الخيالي وهو معان في ذهن الإنسان مختلفة الاعتبار ، فإن اعتبرت بمجرد العقل كان تمييزا صحيحا بين الحق والباطل ويلزمه أن يكون معاني كلية مجردة متحدة متفقة فإن اعتبرت بمجرد النفس كان تفكيرا وترديدا بين الحق والباطل حتى يظفر بالحد الأوسط فيطلع على الدليل المرشد والعلة والسبب ، ويلزمها أن تكون ذاتية كلية أو جزئية بسيطة أو مركبة ، ويلزمها أن تكون ذاتية أو عرضية موجبة أو سالبة موجهة أو مطلقة يقينية أو غير يقينية منتجة أو غير منتجة وإن اعتبرت بمجرد الخيال كانت تقديرا أو تصويرا فتارة تصوير المحسوس بالمعقول وتارة تقدير المعقول في المحسوس ويلزمها أن تكون من جانب المحسوس عربيا أو عجميا أو هنديا أو روميا أو سريانيا أو عبرانيا ومن جانب المعقول أن يكون بسيطا في صورة مركبة ومركبا على نعت بسيط وذاتيا مع عرضي ويقينا مع وهم وأول ما يرد على السمع حرف وصوت يحصل في الهوى بسبب تموج يقع بحركة شديدة تحدث من قرع بعنف أو قلع بحدة ، فإن كان من قرع اصطك الجسمان وانضغط الهوى بشدة
__________________
(١) انظر : غاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص ١٠٣ ، ١٠٨).