وحدث الصوت ، وإن كان من قلع انقطع الجسمان وانفلت الهوى بشدة وحدث الصوت ووصل الموج إلى الهوى الراكد الذي في الصماخ وانفعل به وهو مجاور للعصبة المفروشة في أقصى الصماخ الممدودة مد الجلد على الطبل فيحصل فيه طنين فتشعر به القوة المودعة في تلك العصبة فيصل إلى القوة الخيالية فيتصرف الخيال فيه تقديرا فيصل إلى القوة النفسانية فتتصرف النفس فيه تفكيرا فيصل إلى القوة العقلية فيتصرف العقل فيه تمييزا وللمعنى صعود من المحسوس المسموع إلى المعقول المعلوم صعودا من الكثرة إلى الوحدة ونزول من المعقول المعلوم إلى المحسوس المسموع نزولا من الوحدة إلى الكثرة والعرفان مبتدئ من تفريق ونقض وترك ورفض ممعن في جمع هو جمع صفات الحق للذات المريدة للصدق ثم انتهى إلى الوحدة ثم وقوف وهذا من حيث الصعود والعرفان مبتدئ من توحيد وتفكير وتمييز وتصوير ممعن في معرفة هي معرفة صفات الخلق ثم انتهى إلى الكثرة ثم وقوف وهذا من حيث النزول.
وصار أبو الهذيل والشحام وأبو علي الجبائي : إلى أن الكلام حروف مفيدة مسموعة مع الأصوات غير مسموعة مع الكتابة وصار الباقون من المعتزلة إلى أن الكلام حروف منتظمة ضربا من الانتظام والحروف أصوات مقطعة ضربا من التقطيع وهل يجوز وجود حروف من غير أصوات كما جاز وجود أصوات من غير حروف فيه خلاف بينهم.
وصار أبو الحسن الأشعري إلى أن الكلام معنى قائم بالنفس الإنسانية ، وبذات المتكلم ، وليس بحروف ولا أصوات ، وإنما هو القول الذي يجده العاقل من نفسه ويجيله في خلده ، وفي تسمية الحروف التي في اللسان كلاما حقيقيا تردد أهو على سبيل الحقيقة ، أم على طريق المجاز ، وإن كان على طريق الحقيقة فإطلاق اسم الكلام عليه وعلى النطق النفسي بالاشتراك (١).
قالت الأشعرية : العاقل إذا راجع نفسه وطالع ذهنه وجد من نفسه كلاما وقولا يجول في قلبه تارة إخبارا عن أمور رآها على هيئة وجودها أو سمعها من مبتدئها إلى منتهاها على وفق ثبوتها وتارة حديثا مع نفسه بأمر ونهي ووعد ووعيد لأشخاص على تقدير وجودهم ومشاهدتهم ثم يعبر عن تلك الأحاديث وقت المشاهدة ، وتارة نطقا عقليا إما بجزم القول إن الحق والصدق كذا وإما بترديد الفكر أنه هل يجوز أن يكون الشيء
__________________
(١) انظر : مقالات الإسلاميين للأشعري (ص ٦٠٤ ، ٦٢٥) ، والملل والنحل للمصنف (١ / ٩٦) ، ومنهاج السنة النبوية (٣ / ٢٢٥) ، والعقيدة الأصبهانية (ص ٩٦) ، والتمهيد للباقلاني (ص ٢٨٣).