ومن خواص أفعالها أنها إذا خرجت من القوة إلى الفعل عقلا وعلما أو خلقا وعملا أخرجت غيره من النفوس الإنسانية من القوة إلى الفعل حتى تصير صورتها مشابهة لصورة المخرج كالمعلم للقراءة يخرج نفس الصبي من قوة الاستعداد إلى فعل القراءة حتى يصير قارئا مثله وكالمعلم للحكمة يخرج نفس المتعلم من قوة الصلاحية إلى فعل الحكمة حتى يصير حكيما مثله وكالمعلم للصناعات البشرية الخاصة بنوع الإنسان يخرج نفوس المتعلمين من القوة إلى الفعل حتى يصير صانعا مثله وليست هذه الخاصية أيضا لنوع من الحيوانات لأن ما لها بالطبع والفطرة فهي لمواليدها كذلك فهذا المعنى فضيلة النفس الإنسانية وانفصلت وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١] ، الآية وكان له قوة القبول وقوة الأداء في طرفي العلم والعمل ومن خواص أفعالها أنها حيثما كثرت أفعالها ازدادت قوة وكمالا وغيرها من النفوس والأجسام وقواها الجسمانية حيثما كثرت أفعالها ازدادت ضعفا وكلالا.
ومن خواص قواها وأفعالها أن كل قوة جسمانية فهي متناهية الأثر إلى حد معلوم والقوة على ما لا يتناهى لا يتصور في الجسم بخلاف القوة العقلية النفسانية فإنها تقوى على ما لا يتناهى إذ ما يمكن أن تدركه النفس الناطقة من المحسوسات والمعقولات ليست محصورة فيستحيل أن يكون ذاتها ذاتا جسمانيا وقواها قوى جسمانية.
وأما خواصها من جهة إدراكها فأخص إدراكاتها أنها تدرك ذاتها بذاتها وأن ذاتها لا تعزب عن ذاتها وتراها تغفل عن كل شيء تقديرا سوى ذاتها حتى النائم والسكران يغفل عن كل شيء سوى ذاته ثم المدرك من ذاته ليس بآلة جسمانية أو نفسانية لأنا فرضناها غافلة عن كل شيء سوى ذاتها والمدرك ليس جسما أو جزءا من جسم فإنا في الفرض المذكور أغفلناه عن كل شيء سوى ذاتها فهي مدركة ومدركة وعاقلة ومعقولة لا يحجبها عن ذاتها شيء البتة ونفس إدراكها نفسها لا كالحواس فإنها لا تدرك ذاتها بذاتها ولا كالمدرك بالآلات إذا أصابت الآلة آفة بطل إدراكه أو ضعف ولا كالمدرك بآلة إذا أدرك شيئا قويا لم يمكنه إدراك الضعيف بل هي تدرك الضعيف بعد القوي والخفي بعد الجلي ولا كما يضعف بامتداد الزمان ويبليه ممر الدهور والحدثان فإنه ربما يقوى في الكبير ويضعف في الصغير فهذه كلها من خواص النفس الإنسانية نحس من أنفسنا ضرورة أن الأمر كذلك من غير احتياج إلى برهان يقام عليه والمعاني الضرورية إذا احتال المرء فيها لطلب برهان عليها ازدادت خفاء وانتقصت جلاء.
ثم البرهان القاطع على أن النفس ليس بجسم ولا قوة في جسم أن العلم المجرد