القاعدة الخامسة عشرة
في العلم بكون الباري سميعا بصيرا (١)
ذهب أبو القاسم الكعبي ومن تابعه من البغداديين إلى أن معنى كونه سميعا بصيرا أنه عالم بالمسموعات والمبصرات لا زائد على كونه عالما بالمعلومات ووافقه جماعة من النجارية ومن قال من المعتزلة إنه سميع بصير لذاته فمذهبه مذهب الكعبي لا غير ومن قال منهم : إن المعنى بكونه سميعا بصيرا أنه حي لا آفة به فمذهبه بخلاف مذهب الكعبي وهو الذي صار إليه الجبائي وابنه ، ومنهم من صار إلى أن معنى كونه سميعا بصيرا أنه مدرك للمسموعات والمبصرات وذلك زائد على كونه عالما.
وذهب أبو الحسن الأشعري رحمهالله إلى أنه تعالى سميع بسمع بصير ببصر وهما صفتان قائمتان بذاته زائدتان على كونه عالما.
ودليله في ذلك : أن الحي إذ قبل معنى وله ضد ولا واسطة بين الضدين لم يخل عنه أو عن ضده فلو لم يتصف بكونه سميعا بصيرا لاتصف بضدهما وذلك آفة ونقص ، وهذه المقدمات تحتاج إلى إثبات فلا بد من البرهان على كل واحدة منهما.
أما المقدمة الأولى : فالدليل عليها أن المصحح لقبول السمع والبصر شاهدا هو كون الإنسان حيا أنا عرفنا ذلك بطريق السبر إذ لو كان المصحح وجوده أو حدوثه أو قيامه بالنفس أو غير ذلك من الأوصاف كان منتقضا على الفور فبقي كونه حيا والباري تعالى حي فلزم القضاء بكونه موصوفا بالسمع والبصر لتعاليه عن قبول الآفات والنقائض وليس منكر صحة قبول السمع والبصر أسعد حالا ممن يزعم أن الباري تعالى لا يتصف بالعلم وضده مصيرا إلى استحالة اتصافه بحكميهما.
فإن قيل : ما الدليل على أنه إذا لم يتصف بالسمع والبصر يجب أن يتصف بضدهما؟
قيل : كل ما دل على استحالة عرو الجوهر عن المتضادات فهو دليل على ذلك وقد سبق القول فيه.
__________________
(١) انظر : مقالات الإسلاميين للأشعري (ص ١٦٨ ، ٤٩٨) ، وغاية المرام للآمدي (ص ١٢١) ، والملل والنحل للمصنف (١ / ٧٨).