والتشنيعات التي ألزمها الخصم.
وأما جواب الجبائي عن القاعدة التي صار إليها من حد السميع والبصير أنه الحي الذي لا آفة به ، قيل : أطلقت القول بنفي الآفة وذلك بالاتفاق ليس بشرط فإن السميع والبصير قد يكون ذا آفة وذا آفات كثيرة ، فلا بد وأن يخص نفي الآفة بمحل الإدراك ، ثم تلك الآفة يجب أن تكون مانعة من الإدراك فقد أثبت الإدراك من حيث نفاه ثم الذي يحسه الإنسان من نفسه معنى موجود لا نفي محض.
وقولهم : لا آفة به نفي محض فلا يتصور الإحساس به ويستحيل أن ترجع التفرقة بين حالتي الإدراك وعدم الإدراك إلى عدم محض فحينئذ تنعدم التفرقة فإن التفرقة بالعدم وعدم التفرقة سوي.
ثم نقول : نحن نجد تفرقة ضرورية بين كون الإنسان سميعا وبين كونه بصيرا وهما متفقان في أن معنى كل واحد منهما أنه حي لا آفة به فهذه التفرقة ترجع إلى ما ذا فلا بد من أمرين زائدين على كونه حيا لا آفة به حتى يكون بأحدهما سميعا وبالثاني بصيرا وإلا فتبطل التفرقة الضرورية فالذي انفصل به السمع عن البصر ، وهو وراء كونه حيا لا آفة به فكذلك الذي انفصل به السمع والبصر عن العلم وسائر الصفات وراء كونه حيا لا آفة به ولئن ألزم الجبائي بأن يقال معنى كونه عالما قادرا أنه حي لا آفة به حتى يرد الصفات كلها إلى كونه حيا لا آفة به لم يجد عن هذا الإلزام مخلصا.
وقد قال بعض العقلاء : وقرر أن جميع صفات الكمال تجتمع في كونه حيا وتنتفي صفات النقص بقولنا لا آفة به وأما اشتراطهم البنية حسب اشتراط الحياة غير صحيح فإن الإدراك الواحد لا يقوم إلا بجزء واحد من الجملة وإذا قام به أفاد حكما له ولا أثر للجواهر المحيطة فإن كل جوهر مختص بحيزه موصوف بأعراضه وكما لا يؤثر جوهر في جوهر لا يؤثر حكم جوهر في جوهر آخر ولا يختلف حكم جوهر بعينه في تفرده وانضمامه وإذا جاز قيام الإدراك به مع اتصاله بالجواهر جاز قيامه به مع تفرده فإنه لا يتحول عن صفته تفرد أو انضم إلى غيره خصوصا إذا كان الإدراك في صفة نفسه لا يقتضي جمعا وضما وإضافة ونسبة ولم يكن من الأعراض الإضافية بخلاف الاجتماع والافتراق والمماسة ثم لو كانت البنية شرطا كاشتراط كونه حيا لوجب طرده في الغائب حتى يكون الباري تعالى في علمه وقدرته ذا بنية كما كان حيا لأن الشروط يجب طردها شاهدا وغائبا.
ومن العجب أنهم كما شرطوا البنية شرطوا في الرؤية اتصال الأشعة وهي أجسام مضيئة تنبعث عن البصر عند فتح الأجفان وهي أجسام تتشكل وتتحرك