ومكان حسنا وربما يكون قبيحا لكنا وضعنا الكلام في حكم التكليف بحيث يجب الحسن فيه وجوبا يثاب عليه قطعا ، ولا يتطرق إليه لوم أصلا ، ومثل هذا لا يمتنع إدراكه عقلا هذه هي طريقة أهل الحق على أحسن ما تقرر ، وأوضح ما تحرر.
وقالت الطوائف المخالفات : نحن نعارض الأمرين اللذين عرضا على العقل الصريح بأمرين آخرين نعرضهما عليه فنقول : العاقل إذا سنحت له حاجة وأمكن قضاؤها بالصدق كما أمكن قضاؤها بالكذب بحيث تساويا في حصول الغرض منهما كل التساوي كان اختياره الصدق أولى من اختياره الكذب فلو لا أن الكذب عنده على صفة يجب الاحتراز عنه وإلا لما رجح الصدق عليه.
قالوا : وهذا الفرض في حق من لم تبلغه الدعوة أو في حق من أنكر الشرائع حتى لا يلزم كون الترجيح بالتكليف وعن هذا صادفنا العقلاء يستحسنون إنقاذ الغرقى وتخليص الهلكى ويستقبحون الظلم والعدوان.
وأوضح من هذا كله أنا نفرض الكلام في عاقلين قبل ورود الشرع يتنازعان في مسألة تنازع النفي والإثبات ، فلا شك أنهما يقسمان الصدق والكذب ثم ينكر أحدهما على صاحبه قوله إنكار استقباح ويقرر كلامه تقرير استحسان حتى يفضي الأمر بينهما من الإنكار قولا إلى المخاصمة فعلا ، وينسب كل واحد منهما صاحبه إلى الجهل ، ويوجب عليه الاحتراز عنه ويدعوه إلى مقالته ويوجب عليه التسليم ، فلو كان الحسن والقبيح مرفوضا من كل جهة لارتفع التنازع وامتنع الإقرار والإنكار.
وقولكم : مثل هذا في العادة جائز جاز ولكنه في حكم التكليف ممتنع.
قلنا : ليس ذلك مجرد العادة بل هو العقل الصريح القاضي على كل مختلفين في مسألة بالنفي والإثبات وما حسن في العقل حسن في الحكمة الإلهية ، وما حسن في الحكمة وجب وجوب الحكمة لا وجوب التكليف فلا يجب على الله تعالى شيء تكليفا ولكن يجب له من حيث الحكمة تقريرا أو تدبيرا.
قالوا : لو رفعنا الحسن والقبح من الأفعال الإنسانية ورددناهما إلى الأقوال الشرعية بطلت المعاني العقلية التي نستنبطها من الأصول الشرعية حتى لا يمكن أن يقاس فعل على فعل وقول على قول ولا يمكن أن يقال لم ولأنه إذ لا تعليل للذوات ولا صفات للأفعال التي هي عليها حتى يربط بها حكم مختلف فيه ، ويقاس عليها أمر متنازع فيه ، وذلك رفع الشرائع بالكلية من حيث إثباتها ورد الأحكام الدينية من حيث قبولها.
وزادت الفلاسفة على المعتزلة حجة وتقريرا قالوا : قد اشتمل الوجود على خير مطلق وشر مطلق وخير وشر ممتزجين فالخير المطلق مطلوب العقل لذاته والشر