المطلق مرفوض العقل لذاته والممتزج فمن وجه ومن وجه ولا يشك العاقل في أن العلم بجنسه ونوعه خير محمود ومطلوب والجهل لجنسه ونوعه شر مذموم غير مطلوب وكل ما هو مطلوب العقل فهو مستحسن عند العقلاء وكل ما هو مهروب العقل فهو مستقبح عند الجمهور والفطرة السليمة داعية إلى تحصيل المستحسن ورفض المستقبح سواء حمله عليه شارع أو لم يحمله ثم الأخلاق الحميدة والخصال الرشيدة من العفة والجود والشجاعة والنجدة مستحسنات فعلية وأضدادها مستقبحات علمية ، وكمال حال الإنسان أن تستكمل النفس قوتي العلم الحق والعمل الخير تشبيها بالإله تعالى والروحانيات العلوية بحسب الطاقة والشرائع إنما ترد بتمهيد ما تقرر في العقول لا بتغييرها ، لكن العقول الجزئية لما كانت قاصرة عن اكتساب المعقولات بأسرها عاجزة عن الاهتداء إلى المصالح الكلية الشاملة لنوع الإنسان وجب من حيث الحكمة أن يكون بين الناس شرع يفرضه شارع يحملهم على الإيمان بالغيب جملة ويهديهم إلى مصالح معاشهم ومعادهم تفصيلا فيكون قد جمع لهم بين خصلتي العلم والعمل على مقتضى العقل وحملهم على التوجه إلى الخير المحض والإعراض عن الشر المحض استبقاء لنوعهم واستدامة لنظام العالم ، ثم ذلك الشارع يجب أن يكون من بينهم مميزا بآيات تدل على أنها من عند ربه راجحا عليهم بعقله الرزين ورأيه المتين ولفظه المبين وحدسه النافذ وبصره الناقد وخلقه الحسن وسمته الأرصن يلين لهم في القول ويشاورهم في الأمر ويكلمهم على مقادير عقولهم ويكلفهم بحسب طاقتهم ووسعهم كما ورد في الكتاب (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥].
قالوا : وقد أخطأت المعتزلة حيث ردوا القبح والحسن إلى الصفات الذاتية للأفعال وكان من حقهم تقرير ذلك في العلم والجهل إذا الأفعال تختلف بالأشخاص والأزمان وسائر الإضافات وليست هي على صفات نفسية لازمة لها لا تفارقها البتة.
وأخطأت الأشعرية : حيث رفعتهما عن العلم الذي ليس في نوعه ذميم وعن الجهل الذي ليس في نوعه حميد إذ السعادة والشقاوة الأبدية مخصوصتان بهما مقصورتان عليهما ، والأفعال معينات أو مانعات بالعرض لا بالذات وتختلف بالنسبة إلى شخص وشخص وزمان وزمان.
ثم زادت الصابئة على الفلاسفة بأن قالوا : كما كانت الموجودات في العالم السفلي مرتبة على تأثير الكواكب والروحانيات التي هي مدبرات للكواكب وفي