اتصالاتها نظر نحس وسعد وجب أن يكون في أثرها حسن وقبح في الخلق والأخلاق والعقول الإنسانية متساوية في النوع فوجب أن يدركها كل عقل سليم وطبع قويم ولا تتوقف معرفة المعقولات على من هو مثل ذلك العاقل في النوع (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) [المؤمنون : ٢٤] ، فنحن لا نحتاج إلى من يعرفنا حسن الأشياء وقبحها وخيرها وشرها ونفعها وضرها وكما كنا نستخرج بالعقول من طبائع الأشياء منافعها ومضارها ، كذلك نستنبط من أفعال نوع الإنسان حسنها وقبحها ، فنلابس ما هو حسن منها بحسب الاستطاعة ، ونجتنب ما قبح منها بحسب الطاقة فلا نحتاج إلى شارع متحكم على عقولنا بما يهتدي ولا يهتدي (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [التغابن : ٦] ، (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) [المؤمنون : ٣٤] ، فهذه مقالة القوم ولها شرح ذكرناه في كتابنا الموسوم بالملل والنحل.
وزادت التناسخية على الصابئة بأن قالت : نوع الإنسان لما كان موصوفا بنوع اختيار في أفعاله مخصوصا بنطق وعقل في علومه وأحواله ارتفع عن الدرجة الحيوانية استسخارا لها ، فإن كانت أعماله على مناهج الدرجة الإنسانية ارتفعت إلى الملكية أو إلى النبوة وإن كانت على مناهج الدرجة الحيوانية انخفضت إلى الحيوانية أو إلى أسفل وهو أبدا في أحد أمرين إما فعل الجزاء أو جزاء على فعل كما يقولون كرد وباداشت فما بالنا نقول محتاج في أفعاله وأحواله إلى شخص مثله يقبح ويحسن فلا العقل يحسن ويقبح ولا الشرع لكن حسن أفعاله جزاء على حسن أفعال غيره وقبح أفعاله كذلك وربما يصير حسنها وقبحها صورا حيوانية ، وربما يصير الحسن والقبح في الحيوانية أفعالا إنسانية وليس بعد هذا العالم جزءا يحكم فيه ويحاسب ويثاب ويعاقب (١).
وزادت البراهمة على التناسخية بأن قالوا : نحن لا نحتاج إلى شريعة وشارع أصلا ، فإن ما يأمر به النبي صلىاللهعليهوسلم لا يخلو إما أن يكون معقولا أو لا يكون معقولا ، فإن كان معقولا ، فقد استغنى بالعقل عن النبي صلىاللهعليهوسلم وإن لم يكن معقولا لم يكن مقبولا.
أجاب أهل الحق عن مقالة كل فرقة فقالوا للمعتزلة المعارضة غير صحيحة ، فإن ما ذكرناه من الفرق بين العلم بأن الاثنين أكثر من الواحد ، والحكم بأن الكذب قبيح ظاهر لا مراء فيه وما ذكرتموه غير مسلم ، فإنه يستوي عند صاحب الحاجة طرفا
__________________
(١) انظر : غاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص ٢٢٧ ، ٣١٨) ، والملل والنحل للمصنف (٢ / ١١ ، ٣٧ ، ٤٣ ، ١٩٩) ، والمواقف للإيجي (٢ / ٥١٥ ، ٥٢٠).