وأيضا فإن عندكم مخرج العقل من القوة إلى الفعل يجب أن يكون عقلا بالفعل فإن العقل بالقوة لا يخرج العقل بالقوة فإنه بعد محتاج إلى مخرج ، وليس هذا بذاته يخرج ذاته من القوة إلى الفعل ، وكما أن الممكن بذاته لا يترجح أحد طرفي إمكانه على الثاني إلا بمرجح كذلك ما هو بالقوة فلا يخرج من القوة إلى الفعل إلا بمخرج وكما أن المرجح على الحقيقة ما انتفى عنه وجوه الإمكان كذلك المخرج على الحقيقة ما انتفى عنه وجه القوة كالمرجح لجانب الوجود على العدم في الممكنات هو واجب الوجود بذاته والمخرج من القوة إلى الفعل هو العقل الفعال فقد اعترفتم بأن لا خالق إلا الله ولا هادي إلى المعارف ولا موجب للتكاليف المستدعية للجزاء إلا هو بتوسط العقل الأول الفعال والعقول الجزئية بحكم مناسبتها العقل الأول ربما تشتمل منها صور المعارف فيعرف الأوائل فطرة وبديهة ثم يرد إليها الثواني والثوالث نظرا وتفكرا حتى يخرج إلى الفعل ، وهذا على طريق الجواز والإمكان لا على طريق الوجوب والضرورة لكن لا يعرف إيجابه وتكليفه على العموم إذ ليس لكل واحد من نوع الإنسان استعداد الاستمداد منه من كل وجه بل واحد بعد واحد ، فذلك هو النبي عندنا فلا تعرف المعارف إلا بالعقل ولا تجب المعارف إلا بالسمع فلزمكم من حكم قاعدتكم هذه ما أثبتناه وهو لازم ضرورة.
وأما الجواب عن مقالة الصابئة نقول أنتم منازعون في إثبات تأثيرات الكواكب في الأجسام السفلية كل المنازعة ولنسلم لكم ذلك تسليم المساهلة فالسعد والنحس لم يؤثر إلا في الحسن والقبح من حيث الخلقة وذلك غير متنازع فيه وإنما النزاع بيننا في الحسن والقبح من حيث الأمر ولا شك أن الله تعالى حكم في أفعال العباد بافعل ولا تفعل وعلى ذلك الحكم جزئ في الدار الآخرة.
فنقول ذلك الحكم غير معلوم ضرورة ولا استدلالا من حيث العقل فوجب التوقف إلى أن يرد به سمع وما قالوه من نفي النبوة في الصورة البشرية فتقرر الحجة عليه في إثبات النبوات وأما المنافع والمضار في الأشياء وكونها معلومة بالعقل فغير مسلم على الإطلاق فإن طريقتها عند القوم وعند الطبيعيين والأطباء هو التجربة والتجربة ما لم تتكرر لم تفد العلم والتكرار فيه غير ممكن لاختلاف طبائع الأشياء بالنسبة إلى مزاج ومزاج وهواء وهواء وتربة وتربة وقط لا تحصل التجربة في شيء واحد باعتبار واحد وأيضا فإن الخواص التي هي وراء كيفيات الأشياء وطبائعها ربما تخالف ما يحصل بالتجربة من الطبائع والخواص عندهم من فيض النفس الكلية على ماهيات الأشياء وربما تحصل آثار كثيرة من مجرد عدد يتركب من أعداد مخصوصة