فما ذا دليلكم على وقوع ذلك ثم بم تنكرون على من يرد الخوارق إلى خواص الأشياء ، فإنا نجد حصول أمثال ذلك من الجمادات على يد من لا دين له كالأمطار التي تحصل من اصطكاك الأحجار والرياح التي تهب من تحريك ما مخصوص ، ثم التعزيم والتنجيم والتبخير وعلم الطلسمات واستسخار الروحانيات واستخدام الكواكب العلوية علوم معروفة والعمل بها من العجائب المعجزة والغرائب المفحمة ، فما أنكرتم إن ما أتى به هذا المدعي من جنس ذلك ، ثم الواجب عليكم أن تثبتوا وجه دلالة المعجزة على الصدق فإنه من حيث هو فعل دل على قدرة الفاعل فقط من هذا الوجه لم يدل على صدق قول المدعي من حيث اقترانه بدعواه لم يدل أيضا لأن اقترانه بدعواه كاقترانه بحدوث حادث آخر من قول أو عمل ، ثم لم يدل نفس الاقتران على حق أو باطل فكيف دل هاهنا ، وأيضا فإن عندكم يجوز خرق العادات على يدي مدعي الإلهية ، ولم يدل ذلك على صدق دعواه فكيف يدل على صدق دعوى النبوة.
قال أهل الحق : قام الدليل على أن الرب تعالى خالق الخلق ومالكهم ، ومن له الأمر والخلق والملك له أن يتصرف في عباده بالأمر والنهي ، وله أن يختار منهم واحدا لتعريف أمره ونهيه ، فيبلغ عنه إليهم فإن من له الخلق والإبداع له الاختيار والاصطفاء (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) [القصص : ٦٨] ، فلا استحالة في هذه المراتب ولا استحالة في نفس الدعوى ولا يضاهي استحالته استحالة دعوى الإلهية بل هو من الجائزات العقلية فله الواجبات الحكمية ، فبقي كون الخبر والدعوى على احتمال الصدق والكذب وإنما ترجح الصدق على الكذب بدليل.
وللمتكلمين طرق في إثبات المرجح : أحدها أن اقتران المعجزة بدعوى النبي نازل منزلة التصديق بالقول ، وذلك أنه متى عرف من سنة الله تعالى أنه لا يظهر أمرا خارقا للعادة على يدي من يدعي الرسالة عند وقت التحدي والاستدعاء إلا لتصديقه فيما يجري به واجتماع هذه الأركان انتهض قرينة قطعية دالة على صدق المدعي فكان المعجزة بالفعل كالتصديق شفاها بالقول ونحن نعلم قطعا في صورة من يدعي الرسالة من ملك حاضر محتجب بستر والجماعة على كثرتها حضور ، ثم إن رجلا من عرض الناس إذا قام بين يدي ذلك الجمع الكثير من الخلق ، وقال : أيها الناس إني رسول هذا الملك إليكم وآية صدقي في دعواي أنه يحرك هذا الستر ، إذا استدعيت منه ، ثم قال : أيها الملك إن كانت صادقا في دعواي الرسالة عنك فحرك هذا الستر فحرك في الحال علم قطعا ويقينا بقرينة الحال أنه أراد بذلك الفعل تصديق المدعي ونزل التحريك منه على خلاف العادة منزلة التصديق بالقول ولم يشك واحد من أهل