الجمع أن الأمر على ما يجري به المدعي فكذلك في صورة مسألتنا هذه ، فإذا المرجح للصدق هي القرائن الحاصلة من اجتماع أمور كثيرة منها الخارق للعادة ومنها كونه مقرونا بالدعوى ، ومنها سلامته عن المعارضة فانتهضت هذه القرائن بمجموعها دالة على صدق المدعي نازلة منزلة التصديق بالقول ، وذلك مثل العلم الحاصل من سائر القرائن ، أعني قرائن الحال وقرائن المقال.
ووجه آخر : الآية الخارقة للعادة كما دلت بوقوعها على قدرة الفاعل وباختصاصها على إرادته وبأحكامها على علمه كذلك دلت بوقوعها مستجابة لدعاء الداعي لا لدعوى المدعي على أن له عند الله حالة صدق ومقالة حق ، ومن كانت دعوته مستجابة عند الله يستحيل أن يكون في دعواه كاذبا على الله تعالى وهذا هو حقيقة النبوة وذلك أن استجابته في أمور لا يقدر الخلق على ذلك دليل على صدق هذا الداعي ، ولو قدر الداعي كاذبا في نفسه على الله أقبح كذب وهو الرسالة عنه بما لم يرسل انقلب دليل الصدق دليلا على الكذب وهو متناقض ونحن لا ننكر أن يكون شخص من الأشخاص مستجاب الدعوة ، ثم ينقلب حاله إلى حالة الأشقياء كما لا ننكر أن يظهر خارق للعادة على يد ساحر ، لكن الشرط في الأمرين واحد وهو أن يكون المدعي في حال ما يدعي مستجاب الدعوة بالآية حتى تكون الآية دالة على صدق حالته ودرجته عند الله تعالى ، وإذا قدر كونه كاذبا انقلبت الدلالة على الصدق دلالة على الكذب ، وهو محال لتناقضه وكما أن الوقوع إذا دل على القدرة لم يدل على العجز والإحكام لما دل على العلم لم يدل على الجهل كذلك دليل الصدق لا يجوز أن يكون دليلا على الكذب ، وهذه الطريقة أحسن من الأولى.
ووجه آخر نقول : إن قرينة الصدق ملازمة لتحدي النبي الصادق عن الله تعالى وذلك أن المعجزة تنقسم إلى منع المعتاد وإلى إثبات غير المعتاد ، أما المنع فكالجنس من الحركات الاختيارية مع سلامة البنية وإحساس التيسير ، والثاني في مجرى العادة ومثال ذلك تيه بني إسرائيل في قطع الطريق ومنع السّحرة من التخييل وحصر زكريا من الكلام المعتاد ، ويجوز أن يقدر صرف الدواعي عن المعارضة بمثل ما جاء به النبي عليهالسلام من جنس المعجزات وإن كان ذلك من قبيل مقدوراتهم ولهذا عد بعضهم إعجاز القرآن من هذا القبيل وهو مذهب مهجور ، ويجوز أن يقدر منع الناس عن التحدي بمثل ما تحدى به النبي من جنس المعجزات ، فلا يقدر أحد على المعارضة بالدعوى ، فضلا عن معارضته بالخارق للعادة ، ويكون لهذه المعجزة قرينة متصلة بنفس الدعوى حتى لا تخلو قط دعوى نبي من الأنبياء عن قرينة الصدق ولا تتأخر الدلالة عن نفس التحدي وهذا أبلغ في باب الإعجاز فإن المتصدي للمعارضة يحس