(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) [الأنعام : ٤] ، ما نسبتهم إلى العناد الصرف نسبوك إلى الجور المحض فما وجه الخلاص ولات حين مناص.
قال أهل الحق : أما الجواب عن السؤال الأول أن المعتاد إنما لم يكن دليلا لأنه لا اختصاص له بدعوى المدعي وغير المعتاد يختص بدعواه اختصاص دلالة أما من حيث القرينة كحمرة الخجل وصفرة الوجل وأما من حيث إن اختصاص الفعل بدعواه كاختصاصه بوقت معين ثم اختصاصه بوقت معين دليل قصد المخصص بالوقت واختصاصه بدعواه دليل قصد المخصص إلى التصديق ، والوجهان حاصلان بنفس الاقتران ولو توالى الخارق بعد ذلك لم ترتفع هذه الدلالة فإن اعتياده في ثاني الحال لم يرفع القرينة الأولى ولا أبطل الاختصاص الأول وقال بعضهم المعجزة كما سلمت عن المعارضة تسلم عن الاعتياد في ثاني الحال ، ولهذا لم يعهد من معجزات الأنبياء ما كان خارقا في الأول ثم صار معتادا في الثاني الحال ، وإنما هو إلزام تجويزي عقلي فيندفع بما ذكرناه منعا للإلزام.
وأما الجواب على السؤال الثاني فهو يقارب ما ذكرناه من تحقيق وجه دلالة المعجزة ، وبالجملة التجويزات الخيالية والوهمية مدفوعة بالدلائل العقلية والقرائن القطعية ، وقد قررنا أن المعجزة ذات دلالة عقلية وهو اختصاصها بتحدي المدعي واقتضاء الاختصاص قصدا إلى التخصيص وجواز حصول مثل ذلك في قطر من الأقطار أو في وقت من الأوقات لا تخرج الدلالة عن كونها دالة لأنه لم يوجد اقتران يدل على الاختصاص واختصاص يدل على قصد التصديق والمعجزة أيضا ذات دلالة من حيث القرينة وجواز حصول مثله لا يرفع دلالة القرينة كمن عرف قطعا بحكم قرينة اطراد العادة أن ماء الفرات لم ينقلب دما عبيطا وهو جار جريانه في الأول مع أنه يجوز عقلا أو وهما من قضية قدرة الله تعالى أنه قلبه دما جاريا أو يبس النهر عن الجريان وهذا التجويز لا يدفع العلم الضروري وكذلك يجوز عقلا أن تكون الصفرة في الوجه غير دالة على الوجل لكن إذا اقترنت بها حال وسبب للوجل علم ضرورة أنها صفرة الوجل لا صفرة المرض.
ونقول : نعلم ضرورة أن الصعود إلى السماء والمشي على الماء وإحياء الموتى وقلب العصا حية تسعى ، وأمثال ذلك نقض لعادة البشر فإذا اقترنت بتحدي الرسالة أو تصديق قول ما كانت آية وحجة على البشر وإن لم تكن نقضا لعادة الملائكة والجن والمعتبر في كون الآية حجة أن يكون ذلك نقضا لعادة من كانت الآية حجة عليه والعادة عادة له وكذلك لو ادعى النبي مدا وجزرا في جيحون كان ذلك حجة