إلى محال كإخلاء النظر الصحيح التام عن الإفضاء إلى العلم فإنه إذا تم وجب وجود العلم لا محالة وكنصب دلالة التوحيد لتدل على الشرك والإضلال على الإطلاق يجوز أن يضاف إلى الله تعالى بمعنى أنه يخلق ضلالا في قلب شخص لكنه إذا أدى إلى محال فهو محال ، فلا يفعله لتناقضه واستحالته ولا لقبحه وبشاعته.
وأما الجواب عن السؤال الخامس نقول لا ينحصر طريق التعريف في المعجزات ، بل يجوز أن يخلق لهم علما ضروريا بصدق النبي فلا يحتاج المذكر إلى طلب المعجزة ليعرف بها صدقه أو ينصب لهم أمارات أخر غير خارقة للعادة لكن يتبين لواحد بحكم قرينة الحال والمقال صدقه والقرائن لا تنحصر في طريق واحد ، ورب قرينة أورثت علما لشخص ولم تورث علما لغيره أو يخبر من استأهله لسماع كلامه فيعلم صدقه كما أخبر الملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] ، وإذا ثبت صدقه عندهم إما بالخبر أو بتعليم الأسماء لزم تصديقه على كل من خلف بعدهم ، وإذا أخبر من ثبت صدقه بدليل ما عن صادق آخر يخلفه وجب تصديقه وكذلك الخبر عن كل صادق بشارة لمن بعده وإعلاما للخلق بآيات في خلقه وصورته وقوله وفعله وجب على كل من سمع ذلك تصديقه بإخبار الأول ولهذا أخبر التنزيل عن مثل هذه الحالة على لسان عيسى عليهالسلام (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦] ، وعلى لسان موسى عليهالسلام (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧] ، الآية وعلى لسان الخليلعليهالسلام (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً) [البقرة : ١٢٩] ، الآية وأماراته في التوراة والإنجيل أكثر من أن تحصى ، ولقد كان لموسى عليهالسلام بيت صور ـ أعني صور الأنبياء والأولياء عليهمالسلام ـ يدخله فيطالع الصور كل سبت فلو لم يظهر النبي معجزة قط كان ما مضى من الدلائل كافيا له فلهذا اقتصرت معجزاته على إظهار الأمر للأميين من العرب دون أهل الكتاب من اليهود والنصارى فإنهم كانوا محجوجين بما ثبت عندهم من الإخبار عن الصادقين.
وأما الجواب عن السؤال السادس فنقول : كل علم نظري لا بدّ وأن يستند إلى علم ضروري ولكن الضروري ربما يكون بعيد المبدأ وإنما يستند إليه النظري بعد نظريات كثيرة وربما يكون قريب المبدأ فيستند إليه في أول المرتبة والعلم بصدق النبوات إن عددناه من جنس العلوم الحاصلة بقرائن الأحوال فهو في أول المرتبة يصل إليه فيقال هذا المتحدي إما أن يكون صادقا وإما أن يكون كاذبا وبطل أن يكون