كاذبا لحصول الخارق للعادة على يده وعلى وفق دعواه من غير أن يعارضه معارض واقتران هذه المعاني معا يستعقب علما ضروريا بصدقه فيدعي الضرورة هاهنا لا في أول الدعوى وإن عددناه من جنس العلوم الحاصلة بوجه دليل التخصيص بالتصديق فالعلم الحاصل به كالعلم الحاصل بكونه مريدا فإن التخصيص يدل على أنه مريد وهذا التخصيص بعينه يدل على أنه مريد هذا المراد بعينه وكون المنازع على رأس الإنكار لا يدفع الضرورة الواقعة في العلم فإنه بعد ظهور الآية معاند عنادا ظاهرا واعلم أن النبوة والرسالة إنما يمكن إثباتها بعد إثبات كون الباري تعالى آمرا ناهيا مكلفا واجب الطاعة ومن لم يثبت كونه آمرا ناهيا لم يمكنه إثبات النبوة وأول أمر يتوجه منه تعالى على عباده فإنما يتوجه أولا على رسوله بالدعوة إلى التوحيد بأنه لا إله غيره أي لا خالق ولا آمر غيره على عباده باستماع دعوته والنظر في معجزته والنبي يصح أولا صدقه في جميع أقواله ثم يؤدي رسالته ولا يتصور نبي قط إلا وأن تكون آية الصدق معه لأن حقيقة النبوة هو صدق القول مع ثبوت الآية فلو قدر نبي خاليا عن الآية فكأنه لا نبوة له بعد لكن الآيات قد تكون آيات مخصوصة على كل مسألة وقول يدعي ذلك وذلك مثل دلالته على التوحيد بأن الإله واحد في خلقه وأمره لا شريك له وقد تكون الآيات عامة تدل على صدق قوله في جميع أقواله وأحواله وتلك الآيات قد تكون من جنس الأقوال كآيات الكتاب وقد تكون من جنس الأفعال كآيات الإحياء وقلب الجماد حيوانا وبالجملة فدلالة الصدق لا تنفك عن حالة ومقالة طرفة عين وذلك هو المعني بالعصمة الواجبة للأنبياء عليهمالسلام ، لأن العصمة لو ارتفعت بطلت الدلالة وتناقضت الدعوى خصوصا فيما أرسلوا به إليهم وكلف الناس تصديقه في أقواله ومتابعته في أفعاله والأصح أنهم معصومون عن الصغائر عصمتهم عن الكبائر فإن الصغائر إذا توالت صارت بالاتفاق كبائر وما أسكر كثيرة فقليله حرام لكن المجوز عليهم عقلا وشرعا مثل ترك الأولى من الأمرين المتقابلين جوازا وجوازا وحظرا وحظرا ، ولكن التشديد عليهم في ذلك القدر يوازي التشديد على غيرهم في كبائر الأمور وحسنات الأبرار سيئات المقربين وتحت كل زلة يجري عليهم سر عظيم ، فلا تلتفت إلى ظواهر الأحوال وانظر إلى سرائر المآل.