على صدقه من حيث لفظه البليغ ومعناه المبين فنقول كما تميز نوع الإنسان عن أنواع الحيوانات بالنطق المعبر عن الفكر وصار ذلك شرفا وكرامة له كما قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء : ٧٠] ، كذلك تميز لسان العرب ولغتهم من سائر الألسن واللغات بأسلوب آخر من عذوبة اللسان ورطوبة اللفظ وسهولة المخارج والتعبير عن متن المعنى الدائر في الضمير بأوضح عبارة وأصح تفسير وصار ذلك شرفا وكرامة لهم كما قال تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٥] ، وكذلك تميز لسان النبي صلىاللهعليهوسلم من لسان العرب بأسلوب آخر من الفصاحة المبينة والبلاغة الفائقة والبراعة المطابقة لما في ضميره من المعاني المبينة والحقائق الرزينة كما لا يخفى على من أنصف واعتبر واختبر كلماته واستبصر وصار ذلك شرفا وكرامة كما قال : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، وقال النبيصلىاللهعليهوسلم : «أنا أفصح العرب وأنا أفصح من نطق بالضاد» وكذلك تميز القرآن عن سائر كلماته بأسلوب آخر خارج عن جنس كلام العرب وعن كلماته أيضا وبنوع آخر من الفصاحة والجزالة والنظم والبلاغة ما لم يعهده العرب في نظمهم ونثرهم وسجعهم وشعرهم بحيث لو قوبل أفصح كلماتهم بسورة واحدة من القرآن كان التفاوت بينهما أكثر من التفاوت بين لسان العرب وبين سائر الألسن ولو خاير مخاير بين كلمات النبي نفسه وبين ما نزل عليه من الكتاب المهيمن على الكتب كلها كان الفرق بينهما فرق ما بين القدم والفرق والصرف بينهما صرف ما بين الولاية والصرف فعلم ضرورة وقطعا أن الذي جاء به وحي يوحى إليه وتنزيل ينزل عليه دلالة له على صدقه ومعجزة له على فصحاء العرب وبلغاء أهل اللسان وشعراء ذلك الزمان فتحدى بذلك تحدي التعجيز عن الإتيان بمثله كتابا وقرآنا (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما) [القصص : ٤٩] ، ثم ثنى ذلك فقال فأتوا بحديث مثله ولما عجزوا عن الإتيان بمثله نزل عن ذلك حين قال القوم إنه افتراه فقال (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) [هود : ١٣] ونزل عن العشر إلى سورة مثله فقال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة : ٢٣] ، ولما ظهر عجزهم