وبان خزيهم أنذرهم صاحب التنزيل وحذرهم المتحدي بالدليل (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٤] ، وكيف لا يكون التعجيز ظاهر ظهور الشمس والكتاب يقرأ عليهم (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) [الإسراء : ٨٨] ، الآية أفلم يكن بليغ من بلغاء العرب وفصيح من فصائحهم يتصدى لمعارضة هذه الدعوى العريضة الواسعة لنوعي الجن والإنس وقد خيروا بين معارضة القرآن والخروج بالسيف والسنان فكيف اختاروا الأشد على الأضعف وآثروا ما فيه بذل المهج والنفوس واستحلال النساء واسترقاق الأولاد واستباحة الأموال على أهون الأمور وأيسر ما في المقدور وهو معارضة سورة واحدة أفلا يكون ذلك عجزا ظاهرا ونكولا واضحا وإن استراب في ذلك مستريب تشكيكا لنفسه في مظان القطع واليقين وتسبيعا للغزالة بالطين فالنقد حاضر لم يبدل ولسان القرآن على رأس التحدي كما ورد في الخبر «القرآن حي يجري كما يجري الليل والنهار» ولسان المعارض عي عن المعارضة من مدة خمس مائة سنة وزيادة وبلغاء العرب قد اجتمعت لهم متانة الشعر في العصر الأول ولطافة الطبع من العصر الأخير أو لم يفدنا عجز الأولين والآخرين دلالة ظاهرة على أن مضمون القرآن حق وأن قول من أتى به صدق كيف ولو اعتبرت سورة بسورة اعتبار متأمل فيها منصف صادف كل سورة على حيالها اشتملت على صنف من الفصاحة وضرب من البلاغة والجزالة ولم تشاركها في ذلك سورة أخرى وربما تكون القصة واحدة والتعبير عنها مختلف اختلافا لا يخل بالمعاني ويكون أسلوب النظم والبلاغة نوعا آخر يباين الأولى واختبر هذا المعنى في قصة مثناة وبالخصوص في قصة موسى عليهالسلام في سورة المص وقصته في سورة طه فمن ذا الذي يقدر على مثل ذلك من البشر وكيف يصل إلى غايته القوة المنطقية الإنسانية ولهذا لما فطنت البلغاء من العرب لبديع النظم والجزالة فيه قالوا (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [المدثر : ٢٤] هذا من حيث اللفظ.
وأما من حيث المعنى فما اشتمل عليه القرآن من غرائب الحكم وبدائع المعاني التي عجزت الحكماء والأوائل عن الإتيان بمثلها نوع آخر من الإعجاز خصوصا ممن نشأ يتيما بين الأميين من العرب ولم يقرأ كتابا ولم يدرس علما ولا تلقف من أستاذ ولا تعلم من معلم فلو لا أنه وحي محض ويوحى عليه وتنزيل نزل إليه وإلا فمن أين