لطبع مجرد يجود بمثله وأيضا فما يشتمل عليه القرآن من قصص الأنبياء والمرسلين كيف جرت دعوتهم ومن أين أجاب كلمتهم ومن نكل عنهم إلى أي حال آل أمرهم فمن لم يسمع ذلك من أحد ولا خط كتابا بيمينه ولا طالع كتب الأنبياء والتواريخ والأخبار معجز ظاهر ودليل على أن الحق باهر وهذا في قصة الماضين فما قولك في الإخبار عن الغيوب مما سيكون في ثاني الحال مما رأيناه طابق الحال وصدق المقال إذ أخبر أنه يظهره على الدين كله وقد أظهر وأخبر أنه غلبت الروم وقد تحقق وغير ذلك من الأخبار وكذلك ما اشتمل عليه القرآن من أنواع العبادات والمعاملات من أحكام الحلال والحرام والحدود والقصاص والديات وأحكام السياسات إعجاز ظاهر إذ جمع فيها بين إصلاح المعاش ونجاة المعاد وبناها على قوانين كلية تجمع شمل العامة وتناظر عقل الخاصة ومن قرأ الكتب المنزلة من التوراة والإنجيل والزبور تبين له الفرق الظاهر بينها وبين القرآن ؛ إذ كل ما اشتملت عليه من الحقائق العقلية والأحكام الشرعية على بسطها اشتمل عليه القرآن بأوضح عبارة وأوضح إشارة على اختصاصه ومن أراد أن يتخطى عما أقررناه إلى مفردات الحروف وكيفيات تركيبها وما فيها من الحكم والمعاني قضى منها العجب وبالجملة القرآن بصورة ألفاظه وعباراته معجز وبمعنى حقائقه وعجائبه معجب وهو دليل ظاهر على حقيقة ذاته وصدق المتحدي بآياته.
قال أهل الزيغ والباطل لنا على مساق ما ذكرتموه من إعجاز القرآن سؤالان أحدهما أن القرآن بمعنى المقروء والمكتوب صفة قديمة عندكم والقديم لا يكون معجزا وبمعنى القراءة هو فعل القارئ وتلاوته وفعل العبد لا يكون معجزا.
فإن قلتم : إن الرب تعالى يخلقه في الحال من غير كسب النبي قيل وفي أي محل يخلقه أفي لسانه ومن المعلوم أن الحرف والصوت القائم بلسانه ومخارج حروفه مقدورة له والمعجزة لا تكون مقدورة للعبد أم في محل آخر من شجرة أو لوح أو قلب ملك فالمعجزة ذلك المخلوق لا ما نطق به النبي فما هو معجزة لم نسمعه وما سمعناه ليس بمعجزة فما الجواب عن هذا السؤال؟.
والثاني : أنكم قلتم وجه إعجاز القرآن فصاحته وجزالته ونظمه وبلاغته فما حدود هذه المعاني أولا حتى نبين حقائقها فنتكلم عليها أهي بأفرادها معجزة أم بمجموعها وقد رأيناكم اختلفتم في أن القرآن معجزة من جهة صرف الدواعي أم من جهة ما اشتمل عليه من بديع النظم والفصاحة ومن قال بالقسم الثاني اختلف في أن الفصاحة بديعة أم الجزالة أم النظم ومن المعلوم الذي لا مرية فيه أن المعجز يجب أن يكون ظاهرا لكل من هو في حقه معجز ظهورا لا يستراب فيه البتة ومن قال منكم إنه