معجز من حيث الفصاحة فقط جوز أن يكون في كلام العرب مثله من حيث النظم والجزالة ومن قال بالثاني فقد جوز المماثلة في الأول فلم يظهر ظهور انقلاب الجماد حيوانا والبحر يبسا والحجر الصلد عينا نضاخة إلى غير ذلك من معجزات الأنبياء عليهمالسلام إذ ظهرت على قضية لم يبق للتردد فيها مجال.
قال أهل الحق : أما السؤال الأول فنقول القديم يستحيل أن يكون معجزة والمكتسب للعبد كذلك وللقرآن وجوه من المعجزات ولكل وجه وجوه من التقديرات فيجوز أن يقال إن التلاوة من حيث إنها تلاوة معجزة وتقدير الإعجاز فيها من وجهين أحدهما أن يخلق الله تعالى هذه الحروف المركبة وتلك الكلمات المنظومة في لسان التالي من غير أن يكون قادرا عليها ومحركا لسانه بقدرته واستطاعته فتمحض فعلا لله تعالى ويظهر إعجازه في نظمه المخصوص ويجوز أن يخلق الله في نفس النبي كلاما منظوما فيترجم عنه بلسانه ويكون تحريك اللسان مقدورا له لكن الكلام المعجز ما اشتمل عليه الضمير ونعت في الصدور كما قال تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : ١٦ ، ١٧] ، أي في صدرك وقلبك فإذا قرأناه أي جمعناه فاتبع قرآنه ويجوز أن يخلق الله ذلك الكلام في قلب الملك أو في لسانه فيلقيه وحيا إلى قلب النبي ويعبر عنه النبي بلسانه كما قال تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [الحاقة : ٤٠] ، أي تنزيلا ووحيا وكما قال : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) [النجم : ٥] ، ويجوز أن يكون قد خلق هذه العبارات المنظومة بعينها في اللوح المحفوظ فيقرأ جبريل عليهالسلام منه ويقرأها على النبي صلىاللهعليهوسلم فيسمع النبي منه كما لو يسمع الواحد منا ويكون المعجز هو الكلام المنظوم وجبريل مظهر والنبي مظهر كما أن واحدا منا يقرأه ويكون مظهرا لكن إظهار جبريل إظهارنا ليدل على صدق النبي عليهالسلام وهذا كما خلق الله تعالى الناقة في الصخرة ثم أظهرها منها عند دعوة صالح عليهالسلام فيكون إظهار المعجزة مقرونا بالدعوى والتحدي لا إظهار المعجز كخلق المعجز في الدلالة على الصدق وينبغي أن ننبه هاهنا على هذه الدقيقة وهي أنا إذا روينا شعر الشاعر فنحس من أنفسنا قدرة على التلفظ بذلك الشعر ولا نحس من أنفسنا قدرة على نظم ذلك بل ربما يكون الراوي عديم الطبع في إنشاء الشعر فضلا عن نظم مخصوص فما المقدور منه وما غير المقدور فنقول إذا قرأنا شعرا من كتاب أو سمعناه من لسان وحفظناه ارتسم الخيال في القلب