الحركة وذلك أن المور حركة لطيفة لجسم لطيف وذلك كالشعاع يذهب شعاعا بخلاف السير فكان المور المضاف إلى السماء والسير المضاف إلى الجبال مفصحا عن متن الغرض مبينا عن المعنى اللائق به وكان أفصح من تحركت السماء وسارت وجاءت وذهبت ثم هو مع فصاحته لفظ جزل لأنه متلاقي التركيب متقارب المخارج سهل التلفظ به مطابق المعنى وذلك هو معنى الجزالة وقد توجد الجزالة والفصاحة في لفظ واحد وقد توجد في ألفاظ كثيرة وجمل من الكلام غير يسيرة ولا بدّ من نظير تلك الكلمات.
فالنظم يطلق على مطلق التركيب والترتيب لكنه ينقسم اقساما فقد يقع ركيكا وقد يقع رقيعا ما دونها درجة ما تتحقق في المحاورة المعتادة وفوقها ما تتحقق في المكاتبة والمراسلة وفوقها درجة ما تذكر في الخطابة والمواعظ وفوقها درجة ما ينتظم به الشعر وليس فوقها درجة للنظم عند العرب فهو على أقسام لا تنضبط ولذلك سمي الشعر نظما وما سواه نثرا ثم إذا اجتمعت الفصاحة والجزالة والنظم أطلق عليها اسم البلاغة من بلوغ الكلام درجة الكمال هذا قولنا على سبيل المباحثة والبسط.
أما قولنا على سبيل التحديد والضبط فنقول الفصاحة عبارة عن دلالة اللفظ على المعنى بشرط إيضاح وجه المعنى وإيضاح الغرض فيه والجزالة عبارة عن دلالة اللفظ على المعنى بشرط قلة الحروف واختصارها وتناسب مخارجها وربما يجتمع المعنيان فيكون اللفظ فصيحا جزلا معا فتجتمع معان كثيرة في ألفاظ يسيرة كما يقال نفل الحر ونصيب المفضل ومثاله في القرآن (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] ، وربما يتباينان.
والنظم ترتيب الأقوال بعضها على بعض ثم الحسن فيه يتقدر بقدر تناسب الكلمات في أوزانها وتقاربها في الدلالة على المعنى وذلك أنواع وأصناف.
والبلاغة عبارة عن اجتماع المعاني الثلاثة أعني الفصاحة والجزالة والنظم بشرط أن يكون المعنى مبينا صحيحا حسنا ومن المعلوم أن القرآن فاق كلام العرب بمحاورتها ومراسلاتها وخطبها وأشعارها فصاحة وجزالة ونظما بحيث عجزت عن معارضتها عجز من لم يقدر عليها أولا وآخرا لا عجز من قدر في الأول وعجز في الآخر وإلا لكانوا يعارضونه بما تمهد عندهم من الكلام الأول فالقرآن معجز من حيث البلاغة التي هي عبارة عن مجموع المعاني الثلاثة والعرب قد أحست من أنفسها أن القرآن خارج عن جنس كلامهم جملة وكذلك كل من كان له أدنى معرفة بالعربية يعرف إعجازه إلا أن البلغاء يعرفون وجوه الإعجاز فيه على قدر مراتبهم في البلاغة