وجود ممكن فقد وجد هاهنا سبقان أحدهما سبق وجود الموجود والثاني سبق إمكان الوجود ولكننا بعد ما بحثنا عن السبق الثاني لم نعثر على معنى إلا أن الوجود المستفاد لن يتحقق إلا بأن يكون ممكنا في ذاته مقدرا فيه تردد بين طرفي الوجود والعدم واحتاج إلى مرجّح لولاه لما حصل له وجود فلو كان كل حادث محتاجا إلى سبق إمكان وكل إمكان محتاجا إلى مادة وكل مادة إلى زمان تسلسل القول فيه فيقال وتلك المادة والزمان يحتاجان إلى مادة وزمان ولما حصل وجود حادث أصلا فبطل الأصل الذي وضعوا الكلام عليه بل لا بدّ من منتهى ينتهي إليه فيكون مبدعا لا من شيء ويكون ممكنا في ذاته ولا يستدعي إمكانه مادة وزمانا فهكذا يجب أن يتصور معنى سبق الإمكان وسبق العدم وسبق الموجد فإن الموجد يسبق بوجوده من حيث وجوده ويلزم ذلك أن يسبق العدم والإمكان في الموجد سبقا تقديريا وقد تقرر الفرق بين التقدم الذاتي والتقدم الوجودي فتأمل ذلك.
شبهة أخرى : اعتمد عليها أبو علي بن سينا قال : أسلّم أن العالم بما فيه من الجواهر والأعراض جائز الوجود لذاته لكن كلامنا في أنه هل هو واجب الوجود بغيره دائم الوجود بدوامه ، قال : والجائز أن لا يوجد وأن يوجد وإذا تخصص بالوجود احتاج إلى مرجح لجانب الوجود ، والحال لا يخلو إما أن يقال ما يجوز أن يوجد عن المرجح يجب أن يوجد حتى لا يتراخى عنه وإما أن يقال لا يجب أن يوجد حتى يتراخى عنه ثم يوجد بعد أن لم يوجد لكن العقل الصريح الذي لم يكذب يقضي أن الذات الواحدة إذا كانت من جميع جهاتها واحدة وهي كما كانت وكان لا يوجد عنها شيء فيما قبل مع جواز أن يوجد وهي الآن كذلك فالآن لا يوجد عنها شيء وإذا كان قد وجد فقد حدث أمر لا محالة عن قصد وإرادة وطبع وقدرة أو تمكن وغرض أو سبب من الأسباب ثم لا يخلو ذلك السبب إما أن يحدث في ذاته صفة أو يحدث أمرا مباينا عنه والكلام في ذلك الحادث على أي وجه كان كالكلام في العالم فإذا لا يجوز أن يحدث أمر ما وإذا لم يجز فلا فرق بين حال أن يفعل وبين حال أن لا يفعل وقد وجد الفعل فهو خلف وإنما ألزمنا هذا لأنا وضعنا في التقدير العقلي ذاتا معطلة عن الفعل وهو باطل فنقيضه حق.
والجواب قلنا : أنتم مطالبون بإثبات ثلاث مقدمات إحداها : إثبات جواز وجود العالم في الأزل ، والثانية إثبات أن ما يجوز وجوده يجب وجوده ، والثالثة إثبات سبب حادث لأمر حادث.
أما الأولى فنحن قد بينا استحالة وجود أمر جائز في ذاته مع وجود موجود