نراجع أستاذنا وإمامنا ناصر السنة [صاحب الغنية وشرح الإرشاد] أبا القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري فيها ويتكلم عليها فما يزيد فيها على إثبات وجه فاعلية الباري سبحانه وتعالى مما يقصر عن دركه عقول العقلاء ثم الذي كان يستقر كلامه عليه قال ثبت جواز وجود العالم عقلا وثبت حدوثه دليلا ويعرف أن ما حدث بذاته فيجب نسبة حدوثه إلى واجب الوجود بذاته والخصم إنما يطالب بوجه النسبة فإن الموجد إذا كان لا يوجد وأوجد فنسبة الحادث إليه قبل الإيجاد كنسبته إليه حال الإيجاد وبعده ولم يحدث أمر ما ولا سبب فلم وجد ولم أوجد وبالجملة فما معنى الإيجاد والإبداع إن قلت إنه علم وجوده في هذا الوقت وأراد وجوده فيه قيل : العلم عام التعلق ، والإرادة عامة التعلق فنسبة وجوده إلى الإرادة العامة في هذا الوقت على هذا الشكل كنسبة وجوده في غير هذا الوقت على غير هذا الشكل ، وكذلك القول في القدرة فإنها في عموم تعلقها كالإرادة : والعلم فلا خصوص في الصفات ، فكيف يختص الفعل وهذا الموضع منشأ ضلال بعض المتكلمين ، فإن الكرامية أثبتوا حوادث في ذات الباري تعالى من الإرادة والقول ، وهي التي تخصص العالم بالوجود دون العدم والمشيئة القديمة تتعلق عندهم تعلقا عاما والإرادة تتعلق تعلقا خاصا وفرقوا بين الأحداث والمحدث والخلق والمخلوق والمعتزلة أثبتوا إرادات حادثة لا في محل هي التي تخصص العالم بالوجود دون العدم ولم يفرقوا بين الإحداث والمحدث والخلق والمخلوق والأولى أن نسلك في حل الإشكال طريق إبطال مذهب الخصم ثم نشير إلى ما يلوح للعقل من معنى الإيجاد.
فنقول : اتفقنا على أن العالم جائز لذاته محتاج إلى مرجح لجانب الوجود على العدم فالمرجح لا يخلو إما أن يرجح من حيث هو ذات أو من حيث هو وجود ويلزم عليه أمران أحدهما : أن يكون كل ذات وكل وجود مرجحا ، والثاني : أن يحدث ما يجوز وجوده مما لا يتناهى فإنه نسبة الجميع إلى الذات والوجود نسبة واحدة والوجهان محالان ، وإما أن يرجح من حيث هو ذات أو وجود على صفة أو على اعتبار ووجه فإن يرجح من حيث هو وجود على صفة فقد سلمت المسألة وبطل الإيجاب الذاتي وأن يرجح من حيث هو وجود على وجه كما قال الخصم إنه واجب الوجود لذاته ، وإنما أوجب من حيث أنه واجب لذاته وهو وجود على وجه فهو أيضا باطل فإن وجوب الوجود لذاته معناه أمر سلبي أي وجوده غير مستفاد من غيره ومن فهم وجودا غير مستفاد لم يلزمه أن يفهم أنه مفيد غيره ، وكذلك من فهم أنه عالم أو عقل وعاقل كما قال الخصم لم يلزم منه أن يفهم منه أنه موجد مفيد الوجود غيره لأن