الذيل
مسألة في إثبات الجوهر الفرد (١)
الجسم ينتهي بالتجزئة إلى حد لا يقبل الوصف بالتجزي ويسميه المتكلمون جوهرا فردا وصارت الفلاسفة إلى أنه لا ينتهي إلى حد لا يقبل الوصف بالتجزي.
ومدار المسألة على أن الجسم عند المتكلم هو المركب من أجزاء متناهية وما تحصره النهايات والأطراف لا يشتمل على ما لا نهاية له وعند الفيلسوف الأجزاء إنما تحدث بالفعل في الجسم إما رضا وكسرا وإما بانتشاره وإما باختلاف عرضين وإما بالوهم والقوة والجسم مركب من هيولى وصورة لا من أجزاء متحيزة.
ودليل المتكلم في المسألة أن المتناهي أطرافه وأضلاعه يستحيل أن يشتمل على منقسمات بلا نهاية فإن المحصور بالنهايات لا يكون حاصرا بما لا نهايات له وأيضا فإن الاتصال المحسوس في الجسم متناه بالحس والانفصال يستدعي سبق اتصال لا محالة فلو كان الجسم مما ينفصل عن النهاية فليكن فيه الاتصال غير النهاية فإن كان الانفصال بالفعل فيسبقه الاتصال بالفعل وإن كان الانفصال بالقوة والوهم فليكن فيه الاتصال بالقوة والوهم ثم اتصاله متناه قوة وفعلا فانفصاله يجب أن يكون كذلك وأيضا فإن المقدار الذي اشتمل عليه الجسم متناه معدود مقدور فلو نصف الجسم نصفين وكان أحد المقدارين يقبل التجزؤ إلى غير النهاية حتى يصير ذا مقادير بغير نهاية فيلزم أن يكون الأقل هو النصف مثل الأكثر وهو الجملة ويلزم أن يكون فيما لا يتناهى من المقادير تفاوت الأقل والأكثر وكلاهما محال.
فإن قيل ما ذكرتموه صحيح في تقدير أجزاء الجسم بالفعل فإن الجسم المتناهي لا يشتمل على أجزاء بالفعل غير متناهية لكنا نقول هو يشتمل على أجزاء بالقوة غير متناهية فالمحصور في الفعل لا يحصر غير المتناهي بالفعل فلم لا يجوز أن يحصر غير المتناهي بالقوة وفيه النزاع قلنا ما قدرتموه بالقوة أيجوز في العقل أن يخرج إلى الفعل فإن لم يجز ظهرت الاستحالة وبقي الوهم المجرد الذي دل على خلافه برهان العقل وإن جاز خروجه
__________________
(١) انظر : الصواعق المرسلة لابن قيم (٣ / ٩٨٥ ، ٩٨٧) (٤ / ١٣١٥ ، ١٤٣٥) ، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية (١ / ٢١٢) (٢ / ١٣٨) ، وبيان تلبيس الجهمية له (١ / ٢٨١ ، ٤٩٥ ، ٥١٨).