معنى كونه عقلا عند الخصم معنى سلبي أيضا أي مجرد عن المادة وبأن يكون مجردا عن المادة لا يلزم أن يكون مفيد الوجود لغيره ، فبطل الإيجاب الذاتي من كل وجه وتعين أنه إنما أوجد لكونه على صفة ولتلك الصفة من حيث ذاتها صلاحية التخصيص والإيجاد عموما بالنسبة إلى ما حصل على الهيئة التي حصل وبالنسبة إلى غيرها نسبة واحدة ، ولها أيضا خصوص وجه بالنسبة إلى ما حصل دون ما لم يحصل وذلك الخصوص لها عند إضافتها إياها إلى غيرها (١).
فنقول : لما علم الباري وجود العالم في الوقت الذي وجد فيه أراد وجوده في ذلك الوقت فالعلم عام التعلق بمعنى أنه صفة صالحة لأن يعلم به جميع ما يصح أن يعلم والمعلومات لا تتناهى على معنى أنه علم وجود العالم وعلم جواز وجوده قبل وبعد على كل وجه يتطرق إليه الجواز العقلي والإرادة عامة التعلق بمعنى أنها صفة صالحة لتخصيص ما يجوز أن يخصص به والمرادات لا تتناهى على معنى أن وجوه الجواز في التخصيصات غير متناهية ولها خصوص تعلق من حيث إنها توجد وتوقع ما علم وأراد وجوده ، فإن خلاف المعلوم محال وقوعه فالصفات كلها عامة التعلق من حيث صلاحية وجودها وذواتها بالنسبة إلى متعلقاتها إلى ما لا يتناهى خاصة التعلق من حيث نسبة بعضها إلى بعض والإرادة لا تخصص بالوجود إلا حقيقة ما علم وجوده والقدرة لا توقع إلا ما أراد وقوعه وتعلقات هذه الصفات إذا توافقت على الوجه الذي ذكرناه حصل الوجود لا محالة من غير تغيير يحصل في الموجد ، وإنما يتعذر تصور هذا المعنى علينا لأنا لم نحس من أنفسنا إيجادا وإبداعا ولا كانت صفاتنا عامة التعلق فعلمنا إذا لم يتعلق إلا بمعلوم واحد ولم تتعلق إرادتنا إلا بمراد واحد ولا قدرتنا إلا بمقدور واحد لا على سبيل الإيجاد ولن يتصور بقاء صفاتنا لكونها أعراضا فيتقاضى عقلنا وحسنا حدوث سبب لحدوث أمر ، حتى لو قدرنا علما وإرادة وقدرة لها عموم التعلق بمتعلقات لا تتناهى على معنى صلاحية كل صفة لمتعلقها وقدرنا صلاحية قدرتنا للإيجاد وقدرنا بقاء الصفات فعلمنا وجود شيء بقدرتنا وإرادتنا في وقت مخصوص ودخل الوقت لا نشك أن الشيء يقع ضرورة من غير أن تتغير ذاتنا أو يحدث أمر أو سبب لم يكن وهذا كما يقدره الخصم في العقل الفعال وفيضه ، فإنه يقول هو عام الإفاضة واهب للصور على الإشاعة من غير تخصيص ثم يثبت له نوع خصوص بالإضافة إلى القوابل والشرائط التي تتكون فتحصل استعدادا في القوابل
__________________
(١) انظر : المواقف للإيجي (١ / ٣٥٢) ، (٣ / ٢١٨).