فيختص الفيض بقابل مخصوص على قدر مخصوص فخصوص الفيض بسبب خارج عن ذات المفيض لا يقدح في عموم الفيض باعتبار ذاته على أن الإيجاب الذاتي عند الخصم فيض ذاتي هو وجود عام لا خصوص فيه ولكنه إنما يفيض منه واحد ثم من الواحد يفيض عقل ونفس وفلك ومن كل عقل ونفس عقل ونفس حتى ينتهي بالعقل الأخير ثم يفيض منه الصور على الموجودات السفلية وتنتهي بالنفس الناطقة.
فنقول ما الموجب لحصر الموجودات في هذه الذوات ولا خصوص في الفيض وإن تناهى الموجودات عددا ومكانا كتناهي الموجودات بداية وزمانا.
فإن قلتم : إن الخصوص عندنا يرجع إلى قبول الحوامل فيقدر الفيض بمقدارها.
قيل : وكلامنا في أصل الحوامل لم ينحصر في عدد معلوم فلم انحصرت السماوات في سبع أو تسع ولم انحصرت العناصر في أربعة ، ولم انحصرت المركبات في عدد معلوم ولم تناهت هذه الموجودات فهلا ذهبت السماوات إلى غير نهاية مكانا كما ذهبت حركاتها إلى غير نهاية زمانا.
فإن قلتم : منعنا من ذلك برهان عقلي على أن العالم متناه مكانا.
قلنا : ومنعنا عن ذلك أيضا ذلك البرهان بعينه كما بينا وكل ما ذكرتموه في العناية الإلهية التي أوجبت ترتيب الموجودات على نظامها الأكمل نقدره نحن في الإرادة الأزلية التي اقتضت تخصيص الموجودات على النظام الذي علمه أو ليس لم يكف على أصلكم مجرد وجود مطلق حتى خصصتم بالوجوب ولم يكف الوجوب حتى خصصتم بالتعقل ولم يكف التعقل حتى خصصتم بالعناية ثم عدتم فقلتم هذه صفات إضافية أو سلبية لا توجب تكثرا في ذاته وتغيرا فما سميتموه تعقلا نحن نقول هو علم أزلي وما سميتموه عناية نحن نقول هو إرادة أزلية فكما أن العناية عندكم ترتبت على العلم فعندنا الإرادة إنما تتعلق بالمراد على وفق العلم فلا فرق بين الطريقين إلا أنهم ردوا معاني الصفات إلى الذات وعند المتكلمين معاني الصفات لا ترجع إلى الذات فالأولى بالمناظرة في هذه المسألة أن يدفع الخصم إلى تعيين محل النزاع وتبيين مذهبه فيستفيد بذلك بطلان مذهب الخصم فإنه يقول أول ما صدر عن الباري تعالى فهو العقل الأول لأنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد ، ثم العقل أوجب عقلا آخر ونفسا وجسما فهو فلك الأفلاك وبتوسط كل عقل عقلا ونفسا وفلكا حتى انتهت الأفلاك بالفلك الأخير الذي يديره العقل الفعال الذي هو واهب الصور في العالم وبتوسط العقول السماوية والحركات الفلكية حدثت العناصر وبتوسطها حدثت المركبات وآخر الموجودات هي النفس الإنسانية لأن الوجود ابتدأ من