المقدمة الثالثة
في الدليل وأقسامه
مسألة : ما يلزم من معرفته العلم دليل والظن أمارة فإن كانا عقليين فإن حصل اللزوم من الجانب الآخر فاستدلال بالعلة المعينة على المعلول المعين ، وبه على المطلقة أو المعينة إن ثبت التساوي ؛ أو بأحد المعلولين على الآخر وهو مركب منهما أو بأحد المتلازمين على الآخر كالمتضايفين وإلا فبالمشروط على الشرط ؛ والسمعي المحض محال ، لأن خبر الغير لا يفيد ما لم يعلم صدقه والمركب ظاهر.
مسألة : الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا بشروط عصمة الرواة ، ومعرفة مفردات الألفاظ وصحة إعرابها وتصريفها وعدم الاشتراك والمجاز ، والتخصيص الشخصي والزماني والإضمار والتقديم والتأخير والمعارض العقلي الراجح لو كان وإلا لزم القدح في النقل لتوقفه عليه وهي ظنية فكذا النتيجة (١).
مسألة : النقل مستند إلى صدق الرسول ، فما توقف عليه العلم به فلا يثبت بالنقل ، وما يجوز عقلا يثبت وقوعه به ، إما عاما كالعاديات أو خاصا كالكتاب والسنة ؛ وما عداهما والخارج عن القسمين يثبت في الجملة بهما.
مسألة : الاستدلال بالعام على الخاص قياس ، في عرف المنطقيين وبالعكس استقراء: وبأحد المندرجين تحت وصف على الآخر ، بعد تحقيق أنه المناط قياس في عرف الفقهاء ؛ والأول أقسام :
أن نحكم بلزوم شيء لشيء ، فيوجب وضع الملزوم وضع اللازم ورفع اللازم رفعه تحقيقا للزوم ولا يوجب العكس شيئا تجويزا للعموم.
أن نحصر الشيء في قسمين فيوجب وضع أيهما كان رفع الآخر وبالعكس.
أن نحكم بثبوت الألف أو سلبه على كل الباء ، الثابت لكل الجيم ، أو بعضه فيتعدى الحكم إليهما.
أن نحكم بثبوت الألف للباء وسلبه عن الجيم في وقت واحد ، أو دائما في أحدهما فيتباينا ، وإلا اجتمع النقيضان ، لأن دوام أحدهما يكذب الآخر.
__________________
(١) انظر : الصواعق المرسلة لابن قيم (٢ / ٦٣٣ ، ٦٥٩ ، ٦٨٨).