عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (الأنعام : ٧٦) الآيات. وأمرنا باتباعه فقال عز وجل : فاتبعوا (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (الحج : من الآية ٧٨).
فمن أنكر النظر والاستدلال لا يخلو : إما أن ينكر بدليل ، أو بغير دليل ، أو بالتقليد فإن أنكره بغير دليل لا يقبل منه ، وإن أنكره بالتقليد ، فليس تقليد من قلده بأولى من تقليدنا ، وإن أنكره بدليل فهو النظر والاستدلال الذي أنكره والنظر لا يزول بالتفكير فبطل دعواه وثبت ما قلناه.
إيمان المقلد
ثم يعتقدون أن التقليد في معرفة اللّه عز وجل لا يجوز ، لأن التقليد قبول قول الغير من غير حجة (١) ، وقد ذمه اللّه تعالى فقال عز وجل : (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) (الزخرف : من الآية ٢٤) (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف : من الآية ٢٣) ولأن المقتدين تتساوى أقوالهم ، فليس بعضهم بأولى من بعض ، ولا فرق بين النبي والمتنبي في ذلك.
وإذا كان الأنبياء مع جلالة قدرهم وعلو منزلتهم لم يدعوا الناس إلى تقليدهم من غير إظهار دليل ولا معجزة ، فمن نزلت درجته عن درجتهم ؛ أولى وأحرى أن لا يتبع فيما يدعو إليه من غير دليل ، فعلى هذا لا يجوز تقليد العالم للعالم ، ولا تقليد العامي للعامي ، ولا تقليد العامي للعالم ، ولا تقليد العالم العامي. فإن قيل : لم جوزتم تقليد العامي للعالم في الفروع ولم لا تجيزوها في الأصول؟.
قيل : لأن الفروع التي هي العبادات دليلها السمع ، وقد يصل إلى العالم من السمع ما لا يصل إلى العامي ، فلما لم يتساويا في معرفة الدليل جاز له تقليده ، وليس كذلك الأصل الذي هو معرفة الرب عز وجل فإن دليله العقل ، والعامي والعالم في ذلك سواء ، فإن العالم إذا قال للعامي : واحد أكثر من اثنين لا يقبل منه من غير دليل ، فإن الفرق بينهما ظاهر(٢).
__________________
(١) انظر / شرح البيجوري على الجوهرة (ص / ٣٢).
(٢) اختلفوا في قبول إيمان المقلد على أقوال :
أحدها : عدم الاكتفاء بالتقليد بمعنى عدم صحة التقليد ، فيكون المقلد كافرا ، وعليه السنوسي في الكبرى.
والثاني : الاكتفاء بالتقليد مع العصيان مطلقا ، أي سواء كان فيه أهلية للنظر أم لا.
والثالث : الاكتفاء به مع العصيان إن كان فيه أهلية للنظر ، وإلا فلا عصيان.