وذلك نقص ، والرب عز وجل موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص (١) ؛ قال اللّه عز وجل : (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحجرات : من الآية ١٦) ، وقال تعالى :(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : من الآية ١٦٦).
صفة القدرة
ثم يعتقدون أن اللّه عز وجل قادر بقدرة واحدة قديمة أزلية تتعلق بجميع المقدورات ، فلا يخرج مقدور عن مقدوراته ، لأن ضد القدرة العجز فلو لم يكن في الأزل موصوفا بالقدرة لكان موصوفا بضدها وهو العجز ، ثم يكون العجز صفة له قديمة ، والقديم يستحيل عدمه كما ذكرنا في العلم فلا يكون أبدا قادرا ، وذلك آفة ، والرب عز وجل منزه عن الآفات. قال اللّه عز وجل : (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران : من الآية ٢٩). والكلام في إثبات جميع صفاته الذاتية كالكلام فيما ذكرناه من إثبات العلم والقدرة.
صفة الإرادة
ثم يعتقدون أن اللّه عز وجل مريد بإرادة قديمة أزلية ، فجميع ما يجري في العالم من خير أو شر أو نفع أو ضر أو سقم أو صحة أو طاعة أو معصية فبإرادته وقضائه ، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لم يرده ؛ لأن ذلك يؤدي إلى نقصه وعجزه. قال اللّه تعالى (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (البروج : ١٦) وقال تعالى (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (الأنعام : من الآية ١٢٥).
والكلام في هذه المسألة مع القدرية يطول لأنهم لا يثبتونها على أصلهم ، وهو أن العقل عندهم يوجب ويحسن ويقبح ، وعند أهل الحق العقل لا يوجب ولا يحسن ولا يقبح ، بل الحسن ما حسنته الشريعة والقبيح ما قبحته الشريعة (٢). قال اللّه عز وجل (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء : من الآية ١٥). فأخبرنا تعالى أنهم آمنوا من العذاب قبل بعث الرسول إليهم ، فالواجب فعله ما لا يؤمن أمن في تركه عذاب ، فعلم بهذه الآية أن اللّه تعالى لم يوجب على العقلاء شيئا من جهة العقل ، بل أوجب ذلك عند مجيء الرسل من قبل اللّه تعالى ، ولأن العقل صفة للعاقل وهو محدث
__________________
(١) فالعلم هو : صفة أزلية متعلقة بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات على وجه الإحاطة على ما هي به ، من غير سبق خفاء. انظر / شرح البيجوري على الجوهرة (ص / ٦٨).
(٢) انظر / إحكام الأحكام لسيف الدين الآمدي (١ / ١١٣) ، نهاية السئول للأسنوي (١ / ٢٥٨).