عز وجل لا يجوز لذم اللّه عز وجل إبليس على ذلك كما ذمه ولعنه عند امتناعه عن السجود. وقد حكي عن بعض أصحابنا أنه قال : إن قوما إبليس أفقه منهم السكوت عنهم أولى من الكلام معهم.
فإن قيل قال اللّه عز وجل (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (الزمر : من الآية ٧) قيل لهم : أراد به لا يرضى لعباده المؤمنين دون الكافرين.
فإن قيل : قد قال اللّه إخبارا عن موسى : (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (القصص : من الآية ١٥) قيل : أراد به هذا مما يخلقه الشيطان بدليل قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) (الأعراف : من الآية ١٥٥) ، والفرق بين ما نورده من الآيات وبين ما يوردونه إن ما نورد غير محتمل للتأويل وما يوردونه محتمل لذلك ثم يقال لهم : جميع أعمال الخلق أعراض ، فلو كان للمخلوق قدرة على خلق بعضها لكان له قدرة على خلق جميعها ، ثم لا فرق بين خلق الأعراض وبين خلق الأجسام فإن الأعراض التي لا تكون ثم تكون وتفتقر إلى محدث يحدثها ويوجدها ، والأجسام كذلك أيضا فلو كان لمخلوق قدرة على خلق الأعراض لكان له قدرة على خلق الأجسام ، فمن وصف المخلوقين بالقدرة على خلق جميعها وهذا يؤدي إلى إثبات خالق غير اللّه تعالى قال اللّه تعالى :(هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) (فاطر : من الآية ٣).
وهذا القول من القدرية أعظم من قول اليهود والنصارى لأن اليهود أثبتت مع اللّه عز وجل العزير ، والنصارى أثبتت المسيح ، والقدرية أثبتت مع اللّه خالقين لا يحصى عددهم بقولهم : إن العبد يخلق ويريد والرب يخلق ويريد وقد شبههم النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمجوس بقوله : «القدرية مجوس هذه الأمة».
فإن قيل : إنهم القدرية لأنكم تقولون الرب عز وجل يقدر على خلق المعاصي. يقال لهم هذا لا يصح لأن من وصف غيره بالحياكة لا يصير حائكا بالحائك من فعل الحياكة. فقولنا إن اللّه يقدر لا نسمى بالقدرية بل القدرية الذين يصفون أنفسهم بالقدرة ، وقد شبههم النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمجوس ولأن المجوس يقولون بإلهي النار والنور ، والقدرية يقولون بخالقين لأن العبد عندهم يخلق والرب يخلق فلهذا شبههم بالمجوس.
وقد حكى أن بعض أهل التوحيد تناظر مع قدريّ وكانا بقرب شجرة فأخذ القدري ورقة من الشجرة وقال أنا فعلت هذا وخلقته.
فقال له الموحد : إن كان الأمر كما ذكرت فرده كما كان فإن من قدر على شيء قدر على ضده ، فانقطع في يده. وقد ذكرنا أن الكلام معهم في هذا يطول ولم يكن غرضي بما ذكرت الرد على المخالف لاعترافي بالتقصير بل كان غرضي بما