وجهه ، حين أنكر عليه الخوارج التحكيم فقال : واللّه ما حكمت مخلوقا ، وإنما حكمت القرآن ، قال اللّه تعالى :(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (النساء : من الآية ٣٥) وقال عز وجل : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ) (المائدة : من الآية ٩٥) فإذا كان في شقاق يقع بين الزوجين أمر بالتحكيم ، وفي أرش قيمته نصف درهم يقتله المحرم أمر بذلك ففي شقاق يقع بين طائفتين من المسلمين التحكيم أولى وأحرى ، وجميع الصحابة يسمعون قوله ولم ينكر عليه منكر ، وسكتوا عنه كسكوتهم عند حرق عثمان المصاحف ففعل عثمان حجة لنا بأن الكتابة مخلوقة ، وقول على كرم اللّه وجهه حجة لنا بأن المكتوب قديم ، والاقتداء بعلي وعثمان رضي اللّه عنهما أولى وأحرى من اقتداء بالقدرية والمشبهة.
ومن الدليل على أن كلام اللّه تعالى قديم أزلي ، أنه لو كان مخلوقا لكان لا يخلو إما أن يكون قد خلقه في ذاته ، أو خلقه في غيره ، أو خلق الكلام قائما بذاته لا في محل ، بطل أن يقال خلقه في ذاته ، لأنه تعالى ليس بمحل للحوادث ، وبطل أن يقال خلقه في غيره لأنه يكون كلام ذلك الغير ، وكما لا يجوز أن يقال إنه يخلق علمه وقدرته ، فكذلك أيضا لا يخلق كلامه في غيره ، لأنه يكون كلام ذلك الغير ، ولا يجوز أن يقال إنه خلقه لا في محل لأن الكلام صفته ، والصفة لا تقوم إلا بموصوف ، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة دل على أنه قديم أزلي.
فإن قيل : المتكلم إنما يتكلم ليسمع غيره ، أو يتكلم ليستأنس ، أو يتكلم ليحفظ ، وإذا كان المتكلم خاليا من هذه الثلاثة أقسام يكون كلامه هذيانا ولغوا. والرب عز وجل لم يكن معه في الأزل أحد ليسمع كلامه ، ولا يجوز أن يقال إنه تكلم ليحفظ أو تكلم ليستأنس ، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة ، دل على أنه ليس متكلما في الأزل.
يقال لهم : مقصودكم وغرضكم أن تثبتوا لصفاته الذاتية علة وغرضا إذا كانت أفعاله لا لعلة ولا غرض ، لأنه لو فعل فعلا لعلة كانت تلك العلة لا تخلو ، إما أن تكون قديمة أو محدثة ، فإن كانت محدثة افتقرت إلى علة قبلها ، وكذلك ما قبلها ، ويؤدي ذلك إلى التسلسل وعدم التناهي ، ويؤدي ذلك إلى عدم المعلول ، وهذا محال أيضا ؛ فدل على أن اللّه عز وجل يفعل ما يفعله لا لعلة وغرض ، بل يفعل ما يشاء بما شاء لا لعلة. وإذا ثبت أن صفات فعله لا لعلة وغرض ، فصفات ذاته أولى وأحرى أن لا تكون لعلة وغرض وبطل ما قاله.
فإن قيل قد قال اللّه تعالى :(إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (الزخرف : من الآية ٣) والجعل بمعنى الخلق ، يقال لهم الجعل هاهنا بمعنى التسمية والدليل عليه قوله عز وجل :