(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (الزخرف : من الآية ١٩) ومعلوم على أنهم لم يخلقوا الملائكة فدل على أن الأمر بالجعل هاهنا التسمية ، وكذلك قوله عز وجل:(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (الحجر : ٩١) لم يرد بها الخلق فدل على ما قلناه.
فإن قيل قد قال اللّه عز وجل : (وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) (الأحزاب : من الآية ٣٧) (وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب : من الآية ٣٨) فدل على أن أمر اللّه مقدور ومفعول ، وهذا دليل الحدث.
يقال لهم : الأمر على ضربين ، فتارة يقتضي الكلام وهو قوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) ، وقوله عز وجل (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الروم : من الآية ٤) أي من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء ، وهذا دليل واضح على قدمه ، وتارة يقتضي الفعل وهو قوله (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) (الإسراء : من الآية ١٦) فهذا الأمر يقتضي الفعل ، جاء في التفسير أن الأمر هاهنا بمعنى كثرنا لأن الرب عز وجل لا يأمر بالفحشاء ، وإذا كان الأمر كذلك بطل ما قالوه ، ويكون المراد بقوله :(وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) (الأحزاب : من الآية ٣٧) (وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب : من الآية ٣٨) فعله.
فإن قيل : الدليل على خلق القرآن أنه معجز النبي صلى اللّه عليه وسلم وتحدى الأمة به. فالتحدي إنما يكون بما للمتحدي عليه قدرة كإلقاء العصا ، وإبراء الأكمه والأبرص ، والقديم لا يكون للمخلوق عليه قدرة ولا يكون له في التحدي به حجة ؛ فدل على ما قلناه.
يقال لهم : التحدي إنما كان بالقراءة لا بالمقروء وقد بينا الفرق بينهما. فإن قيل : فقد قال اللّه تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (الأنبياء : من الآية ٢).
يقال لهم الذكر قد يكون بمعنى القرآن فقال عز وجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) ويكون الذكر بمعنى الرسول قال اللّه عز وجل : (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (القلم : من الآيتين ٥١ : ٥٢) قال اللّه عز وجل (ذِكْراً * رَسُولًا) (نهاية الآية : ١٠ وبداية الآية : ١١ من سورة الطلاق) فالذكر المحدث هاهنا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، والدليل على آخر الآية قوله عز وجل : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (الأنبياء : من الآية ٣) ومعلوم أن الكلام ليس ببشر ويحتمل أن يقال إن المراد بالذكر المحدث هذه القراءة لا المقروء.