القديم محدثا وهذا محال.
ومن الدليل على أن الكتابة غير المكتوب قوله تعالى : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) (الأعراف : من الآية ١٥٧) فالنبي عليه الصلاة والسلام مكتوب على هذه الحق يقة في التوراة والإنجيل غير حال في التوراة والإنجيل ، بل هو مدفون في المدينة أو رفع إلى السماء على اختلاف العلماء في ذلك ، فلو أن الكتابة هي المكتوب لكان النبي صلى اللّه عليه وسلم موجودا في التوراة والإنجيل هي الأحرف المفهوم بها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فهي غيره وهو غيرها ، لأن حقيقة الغير لا يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر والكتابة مفارقة المكتوب منفصلة منه ، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب زيد على عمرو وثيقة بدين وشهد فيها الشهود بذلك ثم قبضها يكون قد استوفى دينه فلما لم يصح ذلك دل على أن الكتابة يفهم بها المكتوب وليست هي المكتوب فالشهود مكتوبون في الوثيقة على الحقيقة غير حالين فيها ، وكذلك الدين ، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا قرأ القارئ (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ) (مريم : من الآية ١٢) وأراد به القرآن ، ثم قال يا يحيى خذ الكتاب وأراد به إعلام المسيح ، أن يفرق بينهما عند السماع ، وكذلك في الكتابة أيضا فلما لم يكن ذلك دل على أن الكتابة مخلوقة لا تختلف والمفهوم بها يختلف ، ثم يقال لهم إذا قرأ القارئ هل يسمع منه القرآن كما يسمع من الرب عز وجل أم لا؟ فإن ورد الشرع بأن كلام اللّه تعالى صوت وحرف سميناه بذلك وإلا فلا.
وإن قيل ليس بينهما فرق وذا ذاك ، وذاك ذا فهذا هو التشبيه بعينه ويكون القرآن على قولهم حكاية ، لأن المحاكاة المماثلة والمشابهة ولا شبه لكلام اللّه ولا مثل له ، كما أن اللّه عز وجل لا مثل له ولا شبه له ، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب أحدنا في كفه ألف لام ها ما يكون اللّه عز وجل حالّا في كفه ، ولما لم يصح ذلك دل على أن الكتابة غير اللّه عز وجل ، ولما جاز على الرب جاز على صفة ذاته ، فكما أن الرب عز وجل مكتوب في مصاحفنا ، ومعبود في مساجدنا ومعلوم في قلوبنا ومذكور بألسنتنا غير حال في شيء مما ذكرناه فكذلك كلامه أيضا مقروء بألسنتنا على الحقيقة قال اللّه عز وجل: (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن) (المزمل : من الآية ٢٠) ومتلو في محاريبنا على الحقيقة ، قال اللّه عز وجل :(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ) (الكهف : من الآية ٢٧) ومحفوظ في صدورنا على الحقيقة قال اللّه عز وجل : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (العنكبوت : من الآية ٤٩) ومسموع (مَحْفُوظٍ) (البروج : ٢١) بآذاننا على الحقيقة قال اللّه عز وجل : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ