المؤلفة ، وإن كان أصغر منه فيكون العرش مع كونه مخلوقا أكبر منه وذلك نقص ، وإن كان مثله يكون محدودا كالعرش فإن كان العرش مربعا فيكون الرب مربعا ، وإن كان مخمسا فيكون الرب مخمسا وما هو محدود له شبه ، وله مثل ولا يكون قديما ، فدل على أنه كان ولامكان ، ثم خلق المكان وهو الآن على ما عليه كان.
فإن قيل : إذا قلتم إنه ليس على العرش ولا في السماوات ولا في جهة من الجهات فأين هو؟
يقال لهم : أول جهلكم وصفكم له بأين ، لأن أين استخبار عن المكان والرب عز وجل منزه عن ذلك.
ثم يقال لهم : هل تثبتون خلق العرش والسماوات وجميع الجهات أم لا؟
فإن قالوا ليست مخلوقة فقد قالوا بقدم العالم ، وينتقل الكلام معهم إلى القول بحدث العالم ، وإن وافقوا أهل الحق وقالوا بخلق جميع الجهات ، يقال لهم فهل كان الرب موجودا قبل وجودها وهو الذي أوجدها من العدم إلى الوجود أم لا؟
فإن قيل : لم يكن موجودا قبلها ولا أوجدها فقد قالوا بحدث الرب عز وجل ، وهذا هو الكفر الصراح ، وإن وافقوا أهل الحق في القول بوجوده قبل وجود المخلوقات من العالم العلوي والسفلي. قيل لهم : فأخبرونا عما كان عليه قبل وجودها فكل دليل لهم قبل وجودها هو دليل لنا بعد وجودها ، فإن الرب عز وجل بعد وجود جميع المخلوقات على ما كان عليه قبل وجودها لا يجوز على الرب التغيير من حال إلى حال ولا الانتقال من مكان إلى مكان. قال اللّه عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ) ـ أي انتقل من جهة إلى جهة وتغير من حال إلى حال ـ (قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (الأنعام : ٧٦) أي لا أحب المنتقلين المتغيرين ، فمن وصف القديم بما نفاه عنه إبراهيم فليس من المسلمين.
فإن قيل : إذا لم يكن في جهة فما فائدة رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء وعروج النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى السماء؟.
يقال لهم : لو جاز لقائل أن يقول إن الرب عز وجل في جهة فوق لأجل رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء لكان لغيره أن يقول هو في جهة القبلة لأجل استقبالنا إليها في الصلاة أو هو في الأرض لأجل قربنا من الأرض في حال السجود ، وقد روى في الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : «أقرب ما يكون العبد من اللّه عز وجل إذا سجد» قال اللّه عز وجل : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق : من الآية ١٩) فلو كان في جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه إذا سجد فكما أن الكعبة قبلة المصلي يستقبلها في الصلاة ، ولا يقال إن