اللّه عز وجل في جهة الكعبة ، ومستقبل الأرض بوجهه في السجود ، ولا يقال إن اللّه عز وجل في الأرض ، فكذلك أيضا جعلت السماء قبلة الدعاء ، لا أن اللّه عز وجل حال فيها ، وكذلك أيضا عروج النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى السماء ، لا يدل على أن اللّه عز وجل في السماء ، كما أن عروج موسى عليه الصلاة والسلام إلى الجبل ، وسماعه لكلام اللّه تعالى عنده ، لا يدل على أن اللّه عز وجل حال في الجبل ، فعروج النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما كان زيادة في درجته ، وعلوا لمنزلته ليتبين الفرق بينه وبين غيره في المنزلة وعلو الدرجة.
فإن قيل : إذا لم يكن الاستواء بمعنى الاستقرار فما معناه؟.
يقال لهم : قد اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : إن الاستواء بمعنى القهر والغلبة واحتج على القائل بهذا ، وقال لو كان المراد القهر والغلبة ، لأدى ذلك إلى أن يكون قبله مقهورا مغلوبا ، وذلك محال.
ومنهم من قال : الاستواء بمعنى الاستيلاء ، استوى على العرش أي استولى عليه يقال : استوى فلان على الملك ، أي استولى عليه.
ومنهم من قال : المراد به العلو فقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) يريد به الرحمن علا ، والعرش به استوى ، وهذا أيضا محال ؛ لأنه لو كان الأمر كذلك ، لكان العرش مرفوعا لا محفوظا ، فدل على أن على من حروف الصفات ، لا من العلو.
ومنهم من قال : المراد به القصد ، كقوله :(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (فصلت : من الآية ١١) أي قصد إلى السماء ، وعلى بمعنى إلى ، لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، وتأويلهم في ذلك كثير وكلامهم في ذلك يطول ، والواجب من ذلك ، أن ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوث الرب عز وجل ، ثم لا نطالب بما عدا ذلك ، كما أنا نعتقد أن اللّه شيء موجود موصوف بصفاته. ثم ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوثه ، من صفة الأجسام والجوانيب والأعراض ثم لا نطالب بما عدا ذلك.
فإن قيل : نحن نجهل هذه الآية وما أشبهها من الآيات كاليدين والوجه ومن الأخبار المرورية عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من النزول والصورة والقدم ، ونحملها على الظاهر ولا نتأولها قال اللّه عز وجل :(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (آل عمران : من الآية ٧) فنؤمن بها ولا نتأولها.
يقال لهم : هذه الآية دليل على القول بالتأويل ، لا على نفي التأويل ، والدليل عليه قوله عز وجل : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (آل عمران : من الآية ٧) والإيمان هو التصديق والتصديق بالشيء لا يصح مع الجهل ، فدل على أن