(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه) ِأي يعلمونه ويقولون آمنا فيعلمونه مضمر لقوله عز وجل : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (الرعد : من الآيتين ٢٣ ، ٢٤) أي يقولون سلام عليكم ، وإذا كانت الآيات والأخبار التي يقتضي العمل بها ، تتأول ولا تحمل على الظاهر كقوله عز وجل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (النساء : من الآية ٩٣) فظاهر الآية يقتضي أن أهل الكبائر يخلدون في النار ، ويؤدي ذلك إلى القول بمذهب القدرية ، فلا بد من تأويل هذه الآية فيكون المراد ، ومن يقتل مؤمنا متعمدا لقتله ، مستحلا لدمه ، وكذلك في قوله صلى اللّه عليه وسلم «بين الإسلام وبين الكفر ترك الصلاة ، فمن تركها فقد كفر» «١» يتأول على مذهب أكثر الأئمة ، ولا يحمل على الظاهر ، فالآيات والأخبار التي ظاهرها التشبيه ولا يقتضي العمل بها بل يقتضي العلم أولى وأحرى لأن تتأول ، لأنا إذا قلنا على العرش استوى ، لا يقتضي العمل ولا له تأويل ، فظاهره يقتضي حدوث الرب عز وجل ، وتشبيهه بالخلق ، فما فائدة إعلامنا به ، كذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم : «خلق آدم على صورته» إذا قلنا ليس لها تأول ولا تقتضي العمي فيكون هذيانا وإغواء ، ونكون قد صدقنا الكفار في قولهم : (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) (الدخان : من الآية ١٤) أي يأتي بشيء لا معنى له ، وغرضهم من نفي التأويل بقاؤهم على التشبيه ، فإن لم يقولوا بالتأويل ، ونفوا التشبيه لم يطالبوا بغيره ، ولم يجب عليهم أكثر من ذلك ، لأن الذي يحوجنا ويدعونا إلى التأويل قول المخالف : لا أدري ولا أتأول ، أنا أحمل هذا الاستواء على الظاهر ولا أدري هل هو استقرار أو غير استقرار. وكذلك قوله عز وجل : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) (ص: من الآية ٧٥) أحملها على الظاهر ، ولا أدري هل هما جارحتان أو غير جارحتين ، وهذا جهل منهم بالرب عز وجل ، وذلك يؤدي إلى كفره لأن من جهل صفة من صفات معلومة ، لم يعرف المعلوم على ما هو به ، وقوله لا أدري شك في اللّه عز وجل ، وقلة علمه بما يجوز في حقه وما لا يجوز ، لأن حمل هذه الآيات والأخبار التي ظاهرها التشبيه على ظاهرها إنما تصح بعد نفي التشبيه ، وهو أن يعتقد أن هذا الاستواء ليس بجلوس ولا استقرار ولا لاصقة. ثم بعد ذلك هو مخير إن شاء تأول ، وإن شاء حمله على الظاهر ، وكذلك قوله عز وجل : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٨٨) ـ ح ٨٢) ، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (١ / ١٦٠) ـ ح ٢٤٧ / بتحقيقنا) ، والبيهقي في الكبرى (٣ / ٣٦٥) ـ ح (٦٢٨٧) ، والإمام أحمد في مسنده (٣ / ٣٨٩) ـ ح (١٥٢٢١).