لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وقوله عز وجل : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) (يس : ٧١) يعتقدون أن هذه اليد ليست بجارحة ولا تلمس ، فما هي؟.
يقال لهم : قد اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال اليد هاهنا يد قدرة ، والمراد بالتثنية الواحد كقول الشاعر خليلي وصاحبي ، والدليل عليه أن جميع الموجودات والمخلوقات بقدرته ، وخص آدم بالذكر ، كما أن المساجد كلها للّه ، وخص الكعبة بالذكر ، والنوق كلها ، وخص ناقة صالح بالذكر ، فكذلك أيضا خلق آدم وجميع المخلوقات بيده ، وخصّ آدم بالذكر تشريفا وتخصيصا ، ومنهم من قال : اليد هاهنا صفة زائدة على القدرة خصّ بها آدم وخلقه بها ، واحتج على القائل بهذا. وقيل : لو أن المراد باليد هاهنا صفة زائدة على القدرة ؛ لأدى للرب صفات كثيرة لا نعلمها وهذا يؤدي إلى الجهل بالرب ، والواجب من ذلك ما ذكرته ، وهي نفي التشبيه ، والاعتقاد بأن هذه اليد ليست بجارحة ، ولا تلمس ، وكذلك جميع الأخبار التي ظاهرها يقتضي التشبيه ، كقوله صلى اللّه عليه وسلم : «خلق آدم على صورته» (١) ، وقوله صلى اللّه عليه وسلم «إن النار يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار قدمه فيها» (٢)، وقوله عليه الصلاة والسلام «رأيت ربي في أحسن صورة» (٣). فالواجب في ذلك الاعتقاد بأن الهاء في قوله خلق آدم على صورته عائدة إلى آدم أو إلى المصورة لا إلى الرب عز وجل ؛ لأن الرب عز وجل ليس بصورة ، لأن الصورة لا بدّ لها من مصور ، والرب عز وجل منزه عن ذلك ، وكذلك القدم أيضا عائد إلى قدم الجبار الكافر قال اللّه عز وجل : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (إبراهيم : من الآية ١٥) أو عائد إلى من قدمه الرب عز وجل في السابق أنه من أهل النار. قال اللّه عز وجل : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (يونس : من الآية ٢) أي سابقة صدق لا إلى الرب عز وجل ، قال اللّه عز وجل : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) (الأنبياء : من الآية ٩٩) فمن يعتقد ويؤمن بأن اللّه إله ، ومع ذلك لا تمتلئ جهنم إلا به ، فالسكوت عنه أولى من الكلام معه ومناظرته ؛ لأنه لم يستفد من عقله غير التكليف الذي به يستحق العقوبة والتخليد في النار ، وإنما العاقل
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠١٧) ـ ح (٢٦١٢) ، وابن حبان في صحيحه (١٣ / ١٨) ـ ح (٥٧١٠) ، والإمام أحمد في مسنده (٢ / ٢٤٤) ـ ح (٧٣١٩).
(٢) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (٥ / ١٢٧).
(٣) أخرجه الترمذي (٣٥٤٣) ، وقال : حديث صحيح ، والدارمي (٢ / ١٧) ـ ح (٢١٤٩) وابو يعلي في مسنده (٤ / ٤٧٥) ـ ح (٢٦٠٨) ، والطبراني في الكبير (١ / ٣١٧) ـ ح (٩٣٨).