على الحقيقة من يتوصل بعقله عند نظره واستدلاله إلى الحق ، كما بينا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام استدل على خلق الكوكب والشمس والقمر بالتغيير والأفول والانتقال من حال إلى حال ، وأمرنا الرب عز وجل باتباعه لإصابته الحق ، لا من يعتقد ويصف الرب بالنزول ، والانتقال ، والتغيير من حال إلى حال ويمر هذه الأخبار على ظاهرها من غير تأويل ولا نفي تشبيه ، بجهله وحماقته ، وقلة علمه وبصيرته ، وتأويل هذه الأخبار يطول شرحه ، وليس هذا موضوعه.
نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى قيام الساعة
ثم يعتقدون أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نبوته باقية بعد وفاته ؛ كبقائها حال حياته إلى أن يرث اللّه عز وجل الأرض ومن عليها ، وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع ، وجميع الخلق يخاطبون بها ، قال اللّه عز وجل :(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (سبأ : من الآية ٢٨) ومعجزة باقية ، وهو القرآن قال اللّه عز وجل : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (هود : من الآية ١٣) (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة : من الآية ٢٣) (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (الإسراء : من الآية ٨٨) وأن معراجه صحيح ، وكان في اليقظة لا في المنام ، فأسرى به إلى بيت المقدس ، قال اللّه عز وجل : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (الإسراء : من الآية ١) ومحال أن يقول أسرى به ولم يسر به ، وعرج به إلى السماوات السبع ، وإلى العرش ، وعرض عليه جميع المخلوقات ، قال اللّه عز وجل :(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (النجم : ١٨) وسمع كلام اللّه القديم الأزلي بلا واسطة ، كما سمع موسى عليه الصلاة والسلام بلا واسطة ، قال اللّه تعالى :(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (النجم: ١٠) فالفرق بين نبينا وبين موسى عليهما الصلاة والسلام ، أن موسى عليه الصلاة والسلام سمع كلام الرب عز وجل وهو على وجه الأرض من وراء حجاب ، ونبينا عليه الصلاة والسلام سمع كلام اللّه عز وجل ، وهو بالأفق الأعلى لا من وراء حجاب ، بل مع المشاهدة ، قال اللّه عز وجل : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (النجم : ١١) أي ما كذب الفؤاد ما رأى بعين رأسه ، وأن جميع ما أخبر به صدق ، من قوله عليه الصلاة والسلام «أشرفت على الجنة فوجدت أكثرها البله» (١)، «وأشرفت على النار فوجدت أكثرها النساء» (١) ، وهذا دليل
__________________
(١) ضعيف : أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (٢ / ١١٠) ـ ح (٩٨٩) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٢ / ١٢٥) ـ ح (١٣٦٦) ، والحافظ الذهبي في الميزان (٣ / ٢٦١) ، وابن عدي في الكامل (٢ / ٣١٣).