حقها ، واللّه لا أفرق بين ما جمع اللّه عز وجل ، قال اللّه عز وجل : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (البقرة : من الآية ٤٣) ، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم قبل وفاته قد جهز جيشا ثم مات ، والجيش مجهز لم يسر ، وارتد الناس ثم مات ، فقال عمر لأبي بكر رضي اللّه عنهما : الناس قد ارتدوا ، وحماة الإسلام في هذا الجيش ، ومن الرأي رده من المسير لما قد جهز له ، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه : أشجاع في الجاهلية وخوّار في الإسلام ، واللّه لا رددت جيشا جهّزه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال عمر رضي اللّه عنه : لم يبق أحد ـ أنا ولا غيري ـ إلا ودخله فشل إلا ما كان من أبي بكر رضي اللّه عنه. ومن الدليل على أن أبا بكر أشجع من عليّ رضي اللّه عنه «أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أعلم عليا بموته فقال له : ابن ملجم يقتلك» (١) ، فكان عليّ رضي اللّه عنه إذا لقى ابن ملجم يقول : متى تخضب هذه من هذه يعني لحيته من دم رأسه ، فكان إذا دخل الحرب فلاقى الخصم يعلم أن ذاك الخصم لا يقتله فهو معه كأنه نائم على فراشه وأبو بكر رضي اللّه عنه كان إذا دخل الحرب ولاقى الخصم لا يدري هل يقتل ، فمن يدخل الحرب وهو لا يدري هل يقتل أم لا ويقاسي من الكرّ والفرّ والجزع والفزع ما يقاسي ، يكون كمن يدخل الحرب وهو نائم كأنه على فراشه ؛ فدلّ على أن أبا بكر رضي اللّه عنه كان أشجع.
ثم يقال لهم : الشجاعة ليس فيها فضل ، الدليل عليه لو أن الشجاع تخلف عن الجهاد وجاهد الجبان لكان الفضل للجبان لا للشجاع المتخلف ، ثم لو جاهدا جميعا وقلنا الفضل للجبان كان غير بعيد ، لأن الجبان يقاسي من المشقة ما لا يقاسيه الشجاع الذي له دربة بالحرب ، فإذا قلنا إن الجبان أفضل لما يناله من المشقة في كر وفر يكون غير بعيد ، وكذلك القرابة أيضا ليس فيها فضل لأن الإنسان يكسب الفضل بما يفعله بنفسه قال اللّه عز وجل (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (النجم : ٣٩) والقرابة شيء إلى اللّه عز وجل ، ليست مما يكتسب العبد فضلا وغيره ، والدليل عليه أن والد النبي صلى اللّه عليه وسلم ووالدته في النار ، فلو أن القرابة تفيد شيئا لأفادتهما ، لأنهما أقرب من غيرهما. وقد روى في الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ـ : لفاطمة ـ عليها السلام ـ «إن أردت اللحوق بي فعليك بكثرة السجود» (٢) أحالها على العمل لا على النسب والقرابة ، ولو أن القرابة ينال بها فضلا لكان العباس أفضل من عليّ ، لأن العباس عم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وعلي ابن عمه والعم أقرب من ابن العم ، وعليّ أفضل من العباس فدل على
__________________
(١) لم أجده.
(٢) أخرجه ابن ماجة (١ / ٤٥٧) ـ ح (١٤٢٢) ، والإمام أحمد في مسنده (٣ / ٤٢٨).