القاعدة الثالثة
في التوحيد (١)
وفيها الرد على الثنوية وتستدعي هذه المسألة سبق ذكر الوحدانية ومعنى الواحد.
قال أصحابنا : الواحد هو الشيء الذي لا يصح انقسامه إذ لا تقبل ذاته القسمة بوجه ولا تقبل الشركة بوجه فالباري تعالى واحد في ذاته لا قسم له وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له وقد أقمنا الدلالة على انفراده بأفعاله فلنقم الدلالة على انفراده بذاته وصفاته.
وقالت الفلاسفة : واجب الوجود بذاته لا يجوز أن يكون أجزاء كمية ولا أجزاء حد قولا ولا أجزاء ذات فعلا ووجودا وواجب الوجود لن يتصور إلا واحدا من كل وجه ، فلا يتصور ولا يتحقق موجودان كل واحد منهما واجب بذاته ، وعن هذا نفوا الصفات وإن أطلقوها عليه فبمعنى آخر كما سنذكره.
ووافقهم المعتزلة على ذلك غير أنهم مختلفون في التفصيل وسنفرد لإثبات الصفات مسألة ونذكر المذهبين فيها وهذه المسألة مقصورة على استحالة وجود الإلهين يثبت لكل واحد منهما من خصائص الإلهية ما يثبت للثاني ولست أعرف صاحب مقالة صار إلى هذا المذهب لأن الثنوية وإن صارت إلى إثبات قديمين لم تثبت لأحدهما ما ثبت للثاني من كل وجه والفلاسفة ، وإن قضوا بكون العقل والنفس أزليين وقضوا بكون الحركات سرمدية لم يثبتوا للمعلول خصائص العلة كيف وأحدهما علة والثاني معلول والصابئة وإن أثبتوا كون الروحانيين والهياكل أزلية سرمدية مدبرة لهذا العالم وسموها أربابا وآلهة فلم يثبتوا فيها خصائص رب الأرباب ودلالة التمانع في القرآن مسرودة على من يثبت خالقا من دون الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) [المؤمنون : ٩١] وعن هذا صار أبو الحسن رحمهالله إلى أن أخص وصف الإله هو القدرة على الاختراع فلا يشاركه فيه غيره ومن أثبت فيه شركة فقد أثبت إلهين.
__________________
(١) انظر : المقصد الأسنى للغزالي (ص ١٣٣) ، وتلبيس الجهمية لابن تيمية (١ / ٤٦٥ ، ٤٦٦ ، ٤٦٩) ، والمواقف للإيجي (٢ / ٢٣١) ، ومعنى لا إله إلا الله للزركشي (ص ٩٠).