تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧] ، ولهذا لم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانع ، وإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشريك : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» (١) ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبين الخلق في التوحيد (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) [غافر : ١٢] الآية ، (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) [الزمر : ٤٥] ، (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) [الإسراء : ٤٦].
وقد سلك المتكلمون طريقين في إثبات الصانع تعالى وهو الاستدلال بالحوادث على محدث صانع ، وسلك الأوائل طريقا آخر وهو الاستدلال بإمكان الممكنات على مرجح لأحد طرفي الإمكان ويدعي كل واحد في جهة الاستدلال ضرورة وبديهة.
وأنا أقول ما شهد به الحدوث أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياج في ذاته إلى مدبر هو منتهى الحاجات ، فيرغب إليه ولا يرغب عنه ويستغنى به ولا يستغنى عنه ويتوجه إليه ولا يعرض عنه ويفزع إليه في الشدائد والمهمات فإن احتياج نفسه أوضح له من احتياج الممكن الخارج إلى الواجب والحادث إلى المحدث وعن هذا كانت تعريفاته الخلق سبحانه في هذا التنزيل على هذا المنهاج (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) [النمل : ٦٢] ، (مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ) [الأنعام : ٦٣] ، (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [النمل : ٦٤] ، (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [النمل : ٦٤] ، وعن هذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «خلق الله تعالى الخلق على معرفته فاحتالهم الشيطان عنها» (٢) فتلك المعرفة هي ضرورة الاحتياج وذلك الاحتيال من الشياطين هو تسويله الاستغناء ونفي الاحتياج
__________________
(١) حديث صحيح : رواه البخاري (١ / ١٥٣) (٢ / ٢٠٧) (٣ / ١٠٧٧) (٦ / ٢٦٥٧) ، ومسلم (١ / ٥١ ، ٥٣) (٤ / ١٨٧١) ، وأبو داود (٢ / ٩٣) (٣ / ٤٤ ، ٢٠٨) ، والترمذي (٥ / ٣ ، ٤٣٩) ، والدارمي (٢ / ٢٨٧) ، والنسائي (٦ / ٤ ، ٧) (٧ / ٧٦ ، ٧٨) ، وأحمد في المسند (١ / ١١ ، ١٩ ، ٣٥ ، ٤٧) (٢ / ٣١٤ ، ٣٤٥) ، والشافعي في مسنده (١ / ١٦٩ ، ٢٠٨).
(٢) أورده ابن القيم في شفاء العليل (ص ١٧٣ ، ٢٦١).