المعدوم والعالم يقابله الجاهل والقادر يقابله العاجز فيتحقق له ضد من ذلك الوجه فاحترزوا عن إطلاق لفظ وجودي أو علمي لكيلا يقعوا في التمثيل والتعطيل ونحن نعلم بأن الأسامي المشتركة هي التي تختلف حقائقها من حيث المعاني فإن أسماء الباري تبارك وتعالى إنما تتلقى من السمع ، وقد ورد السمع أنه سبحانه عليم قدير حي قيوم سميع بصير لطيف خبير وأمرنا أن ندعوه عزوجل بأحسن الاسمين المتقابلين كما قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف : ١٨٠] ، ولم يحترز هذا الاحتراز البارد ولا تكلف هذا التكلف الشارد.
وقالت طائفة من الشيعة لا يجوز التعطيل من الأسماء الحسنى (١) ، ولا يجوز التشبيه بالصفات التي يشترك فيها الخلق فيطلق على الباري سبحانه الوجود وندعوه بأحسن الأسماء وهو العليم القدير السميع البصير إلى غير ذلك مما ورد في التنزيل لكن لا بمعنى الوصف والصفة لأن عليا عليهالسلام كان يقول في توحيده لا يوصف بوصف ولا يحد بحد ولا يقدر بمقدار الذي كيف الكيف ولا يقال له كيف والذي أين الأين لا يقال له أين ، لكنا نطلق الأسماء بمعنى الإعطاء فهو موجود بمعنى أنه يعطي الوجود وقادر وعالم بمعنى أنه واهب العلم للعالمين والقدرة للقادرين حي بمعنى أنه يحيي الموتى قيوم بمعنى أنه يقيم العالم سميع بصير أي خالق السمع والبصر ولا نقول إنه عالم لذاته أو بعلم بل هو إله العالمين بالذات والعالمين بالعلم وعلى هذا المنهاج يسلكون في إطلاق الأسامي ، وكذلك الواحد والعليم والقدير وينسب إلى محمد بن علي الباقر أنه قال هل سمي عالما إلا لأنه واهب العلم للعالمين وهل سمي قادرا إلا لأنه واهب القدرة للقادرين وليس هذا قولا بالتعطيل فإنه لم يمنع من إطلاق الأسامي والصفات كمن امتنع وقال ليس بمعدوم ولا موجود ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولكنه استدل بالقدرة في القادرين على أنه قادر وبالعلم في العالمين على أنه عالم وبالحياة في الأحياء على أنه حي قيوم واقتصر على ذلك من غير خوض في الصفات بأنها لذاته أو لمعاني قائمة بذاته كيلا يكون متصرفا في جلاله بفكره العقلي وخياله الوهمي وقد اجتمع السلف بل الأمة على أن ما دار في الوهم أو خطر في الخيال والفهم فالله سبحانه خالقه ومبدعه ولا محمل لقول علي صلوات الله عليه وسلامه لا يوصف بوصف إلا هذا الذي ذكرناه.
__________________
(١) انظر : منهاج السنة لابن تيمية (٢ / ٢٤٣) ، وشرح قصيدة ابن قيم (٢ / ١٢٥ ، ١٢٧).