القاعدة السادسة
في الأحوال (١)
اعلم أن المتكلمين قد اختلفوا في الأحوال نفيا وإثباتا بعد أن أحدث أبو هاشم بن الجبائي رأيه فيها وما كانت المسألة مذكورة قبله أصلا فأثبتها أبو هاشم ونفاها أبوه الجبائي وأثبتها القاضي أبو بكر الباقلاني رحمهالله بعد ترديد الرأي فيها على قاعدة غير ما ذهب إليه ونفاها صاحب مذهبه الشيخ أبو الحسن الأشعري وأصحابه رضي الله عنهم وكان إمام الحرمين من المثبتين في الأول والنافين في الآخر ، والأحرى بنا أن نبين أولا : ما الحال التي توارد عليها النفي والإثبات ، وما مذهب المثبتين فيها ، وما مذهب النافين ، ثم نتكلم في أدلة الفريقين ، ونشير إلى مصدر القولين وصوابهما من وجه وخطئهما من وجه.
أما بيان الحال وما هو : اعلم أنه ليس للحال حد حقيقي يذكر حتى نعرفها بحدها وحقيقتها على وجه يشمل جميع الأحوال ، فإنه يؤدي إلى إثبات الحال للحال بل لها ضابط وحاصر بالقسمة وهي تنقسم إلى ما يعلل وإلى ما لا يعلل وما يعلل فهي أحكام لمعان قائمة بذوات وما لا يعلل فهو صفات ليس أحكاما للمعاني.
أما الأول : فكل حكم لعلة قامت بذات يشترط في ثبوتها الحياة عند أبي هاشم ككون الحي حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا لأن كونه حيا عالما يعلل بالحياة والعلم في الشاهد فتقوم الحياة بمحل وتوجب كون المحل حيا وكذلك العلم والقدرة والإرادة وكل ما يشترط في ثبوته الحياة وتسمى هذه الأحكام أحوالا وهي صفات زائدة على المعاني التي أوجبتها وعند القاضي رحمهالله كل صفة لموجود لا تتصف بالوجود فهي حال سواء كان المعنى الموجب مما يشترط في ثبوته الحياة أو لم يشترط ككون الحي حيا وعالما وقادرا وكون المتحرك متحركا والساكن ساكنا والأسود والأبيض إلى غير ذلك ولابن الجبائي في المتحرك اختلاف رأي وربما يطرد ذلك في الأكوان كلها ولما كانت البنية عنده شرطا في المعاني التي تشترط في ثبوتها الحياة وكانت البينة في أجزائها
__________________
(١) انظر : غاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص ٣٦) ، والتعريف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي (ص ٨٩ ، ١١١) وبيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (١ / ٥٣٣) ، والمواقف للإيجي (٢ / ٢٣٥ ، ٢٤٥) ، والغنية في أصول الدين لأبي سعيد النيسابوري (ص ١٠٧) ، والرد على القائلين بوحدة الوجود للقارئ (ص ٨٥) ، ونعمة الذريعة في نصرة الشريعة (ص ٧٣).