وقبوله العرض كلها أحوال فليس على مقتضى مذهبكم شيء ما في الوجود هو ليس بحال وإن أثبتم شيئا وقلتم هو ليس بحال فذلك الشيء يشتمل على عموم وخصوص الأخص والأعم عندكم حال فإذا لا شيء إلا لا شيء ولا وجود إلا لا وجود وهذا من أمحل ما يتصور.
فالحق في المسألة : إذا أن الإنسان يجد من نفسه تصور أشياء كلية عامة مطلقة دون ملاحظة جانب الألفاظ ولا ملاحظة جانب الأعيان ، ويجد من نفسه اعتبارات عقلية لشيء واحد وهي إما أن ترجع إلى الألفاظ المحددة ، وقد أبطلناه وإما أن ترجع إلى الأعيان الموجودة المشار إليها وقد زيفناه فلم يبق إلا أن يقال هي معان موجودة محققة في ذهن الإنسان والعقل الإنساني هو المدرك لها ومن حيث هي كلية عامة لا وجود لها في الأعيان فلا موجود مطلقا في الأعيان ولا عرض مطلقا ولا لون مطلقا بل هي الأعيان بحيث يتصور العقل منها معنى كليا عاما فتصاغ له عبارة تطابقه وتنص عليه ويعتبر العقل منها معنى ووجها فتصاغ له عبارة حتى لو طاحت العبارات أو تبدلت لم تبطل المعنى المقدر في الذهن المتصور في العقل فنفاة الأحوال أخطئوا من حيث ردها إلى العبارات المجردة وأصابوا حيث قالوا ما ثبت وجوده معينا لا عموم فيه ولا اعتبار ومثبتو الأحوال أخطئوا من حيث ردوها إلى صفات في الأعيان وأصابوا من حيث قالوا هي معان معقولة وراء العبارات وكان من حقهم أن يقولوا هي موجودة متصورة في الأذهان بدل قولهم لا موجودة ولا معدومة وهذه المعاني مما لا ينكرها عاقل من نفسه غير أن بعضهم يعبر عنها بالتصور في الأذهان وبعضهم يعبر عنها بالتقدير في العقل وبعضهم يعبر عنها بالحقائق والمعاني التي هي مدلولات العبارات والألفاظ وبعضهم يعبر عنها بصفات الأجناس والأنواع والمعاني إذا لاحت للعقول واتضحت فليعبر المعبر عنها بما يتسير له فالحقائق والمعاني إذا ذات اعتبارات ثلاث اعتبارها في ذواتها وأنفسها واعتبارها بالنسبة إلى الأعيان واعتبارها بالنسبة إلى الأذهان وهي من حيث هي موجودة في الأعيان يعرض لها أن تتعين وتتخصص وهي من حيث هي متصورة في الأذهان يعرض لها أن تعم وتشمل فهي باعتبار ذواتها في أنفسها حقائق محضة لا عموم فيها ولا خصوص ومن عرف الاعتبارات الثلاث زال إشكاله في مسألة الحال ويبين له الخلق في مسألة المعدوم هل هو شيء أم لا والله الموفق (١).
__________________
(١) انظر : المواقف (١ / ٤٠٥) ، الإشارات لابن سينا (ص ٢٦٧ ، ٢٧٤).