المعدوم شيء وأن الحال ثابت ساء سمعا وساء إجابة ولو لا إني التزمت على نفسي في هذا الكتاب أن أبين مصادر المذاهب ومواردها واشتراك منتهى أقدام العقول في مسائل الأصول وإلا لما أهمني كشف الأسرار وهتك الأستار.
وأما أصحاب الهيولى فافترقت فيها على طريقين فرقتان أحدهما إثبات هيولى للعالم مجردة عن الصور وعدوها عن المبادئ الأول وهي ثالثها أو رابعها فقالوا المبادئ هي العقل والنفس والهيولى وقالوا المبادئ هو الباري سبحانه والعقل والنفس والهيولى وهي كانت مجردة عن الصور كلها فحدثت الصورة الأولى وهي الأبعاد الثلاثة فصارت جسما مركبا ذا طول وعرض وعمق ولم يكن لها قبل الصورة إلا استعداد لمجرد القبول فإذا حدثت الصورة صارت بالفعل موجودة وهي الهيولى الثانية ثم إذا لحقها الكيفيات الأربعة التي هي الحرارة والبرودة الفاعلتان والرطوبة واليبوسة المنفعلتان صارت الأركان التي هي النار والماء والهواء والأرض وهي الهيولى الثالثة ثم تتكون منها المركبات التي تلحقها الأعراض وهي الكون والفساد ويكون بعضها هيولى بعض.
الطريق الثاني : هو أنهم أثبتوا الهيولى غير مجردة عن الصورة قالوا هذا الترتيب الذي ذكرناه مقدر في العقل والوهم خاصة دون الوجود وليس في الوجود جوهر مطلق قابل للأبعاد ثم يلحقه الأبعاد ولا جسم عار عن الكيفيات ثم عرضت له الكيفيات وإنما هو عند ما نظرنا في ما هو أقدم بالطبع وأبسط في الوهم والعقل.
قال أصحاب الهيولى المجردة : أما إثبات الهيولى لكل جسم فأمر معقول محقق بالبرهان وذلك أن كل جسم قابل للاتصال والانفصال والتصور والتشكل بالصورة والأشكال ومعلوم أن قابل الاتصال والانفصال أمر وراء الاتصال والانفصال فإن القابل يبقى بطريان أحدهما والاتصال لا يبقى بعد طريان الانفصال وبالعكس فظاهر أن هاهنا جوهر غير الصورة الجسمية يعرض له الاتصال والانفصال معا ثم قالوا ما من انفصال واتصال معين إلا ويمكن زواله وما من شكل وصورة وحيز وجهة إلا وهو عارض لذلك الجوهر فيمكن أن يتعرى عن جميع الصور كما أمكن أن يتعرى عن كل صورة بل يجب أن يكون مبدأ الأجسام المركبة جوهر غير مركب فإن كل مركب لو كان عن مركب لتسلسل إلى غير النهاية فتركب القميص من الغزل والغزل من القطن والقطن من الأركان والأركان من العناصر وهي الهيولى القابلة للصور والكيفيات فإذا انحلت التركيبات فهي البسائط وإذا انحلت البسائط فهي الهيولى المجردة عن كل صوره القابلة لكل صورة.
قال أصحاب الهيولى مع الصورة أما إثبات الهيولى جوهرا معقولا فمسلم للعقل