ومن هذا إشارته إلى السماء حين استشهد ربه تبارك وتعالى على الصحابة أنه بلغهم تحقيقا لإثبات صفة العلو ، وأن الرب الذي استشهده فوق العالم مستو على عرشه.
* * *
فصل
في بيان أنه لا يأتي المعطل للتوحيد العلمي الخبري بتأويل ،
إلا أمكن المشرك المعطل للتوحيد العملي أن يأتي بتأويل من جنسه.
وقد اعترف حذاق الفلاسفة وفضلاؤهم فقال أبو الوليد ابن رشد في كتاب «الكشف عن مناهج الأدلة» القول في الجهة. وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة ؛ ثم اتبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله وظواهر الشرع كلها تقتضى إثبات الجهة ، مثل قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) ، ومثل قوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (البقرة : ٢٢٥) ، ومثل قوله تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (الحاقة : ١٧) ومثل قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) (المعارج : ٤) مثل قوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) (الملك : ١٦) إلى غير ذلك من الآيات التى إن سلط التأويل عاد الشرع كله متأولا ، وإن قيل فيها إنها من المتشابهات ، عاد الشرع كله متشابها ، لأن الشرائع كلها مبينه أن الله في السماء ، ومنه تنزل الملائكة إلى النبيين بالوحي ، وأن من السماء نزلت الكتب ، وإليها كان الإسراء بالنبى صلىاللهعليهوسلم حتى قرب من سدرة المنتهى ، وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك.
والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان ، وإثبات المكان يوجب إثبات الجهة. ونحن نقول : إن إثبات هذا كله غير لازم ، فالجهة غير المكان ، وذلك أن الجهة : إما سطوح الجسم نفسه المحيط به وهي ستة وبهذا نقول : إن للحيوان فوقا ، وأسفل ،