فصل
في بيان أن أهل التأويل لا يمكنهم إقامة الدليل السمعى
على مبطل أبدا وهذا من أعظم آفات التأويل
(وفي هذا كسر الطاغوت الأول) (*)
من المعلوم أن كل مبطل أنكر على خصمه شيئا من الباطل قد شاركه في بعضه أو نظيره فإنه لا يتمكن من دحض حجته لأن خصمه تسلط عليه بمثل ما تسلط هو به عليه.
مثاله : أن يحتج من يتأول الصفات الخبرية وآيات الفوقية والعلو على من ينكر ثبوت صفة السمع والبصر والعلم بالآيات والأحاديث الدالة على ثبوتها ، فيقول له خصمه : هذه عندي مؤولة كما أولت نصوص الاستواء والفوقية ، الوجه ، واليدين ، والنزول ، والضحك ، والفرح ، والغضب ، والرضى ، ونحوها. فما الذي جعلك أولى بالصواب في تأويلك منى؟ فلا يذكر سببا على التأويل إلا أتاه خصمه بسبب من جنسه أو أقوى منه أو دونه.
وإذا استدل المتأول على منكري المعاد وحشر الأجسام بنصوص الوحى ، أبدوا لها تأويلات تخالف ظاهرها وحقائقها. وقالوا لمن استدل بها عليهم : تأويلنا لهذه الظواهر كتأويلك لنصوص الصفات ، ولا سيما فإنها أكثر وأصرح ؛ فإذا تطرق التأويل إليها فهو إلى ما دونها أقرب تطرقا.
وإذا استدل بالنصوص الدالة على فضل الشيخين وسائر الصحابة وتأولوها بما هو من جنس تأويلات الجهمى.
__________________
(*) قال في آخر هذا الفصل : ففى هذا كسر الطاغوت الأول وهو قولهم : إن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين.