وإذا كنتم مقرين بأنه خالقكم وخالق صدوركم وما تضمنته ، فكيف تختفي عليه وهى خلقه؟
وهذا التقرير مما يصعب على القدرية (١) فهمه ، فإنه لم يخلق عندهم ما في الصدور. فلم يكن في الآية على أصولهم دليل على علمه بها ، ولهذا طرد غلاة القوم ذلك ونفوا علمه ، فكفرهم السلف قاطبة. وهذا التقرير من الآية صحيح على التقديرين ، أعني تقدير أن يكون (من) في محل رفع على الفاعلية أو في محل نصب على المفعولية : فعلى التقدير الأول ألا يعلم الرب مخلوقه ومصنوعه؟ ثم ختم الحجة باسمين مقتضيين لثبوتها وهما «اللطيف» الذي لطف صنعه وحكمته ودق حتى عجزت عنه الأفهام «والخبير» الذي انتهى علمه إلى الإحاطة ببواطن الأشياء وخفاياها كما أحاط بظواهرها ، فكيف يخفي على «اللطيف الخبير» ما تخفيه الضمائر وتجنه الصدور (٢).
__________________
(١) قال الإمام الأوزاعي : أول من نطق من القدر رجل من أهل العراق يقال له : «سوسن» ، كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر ، أخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد ا ه.
قال عبد القاهر البغدادي : وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن أبي أوفي ، وعقبة بن عامر الجهني وأقرانهم ، وأوصوا أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ، ولا يصلوا على جنائزهم ، ولا يعودوا مرضاهم أه (الفرق بين الفرق).
(٢) وقال الشيخ عبد العزيز السلمان في رسالة «مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية» : «اللطيف» الذي لطف علمه وخبره حتّى أدرك السرائر والضمائر والخفايا والغيوب ، ودقائق المصالح وغوامضها فالخفى في علمه مكشوف كالجلى من غير فرق ، وأنواع لطفه تعالى لا يمكن حصرها فيلطف بعبده في أموره الداخلية المتعلقة بنفسه ، ويلطف له الأمور الخارجية فيسوقه ويسوق إليه ما به صلاحه من حيث لا يشعر.
النوع الثاني لطفه لعبده ووليه الذي يريد أن يتم عليه إحسانه كما جرى ليوسف عليهالسلام.
وأما «الخبير» : فهو من الخبرة ، بمعنى كمال العلم ووثوقه ، والإحاطة بالأشياء على وجه الدقة والتفصيل ، وهو العلم إلى كل ما خفى ودق.