عن حلها فهم يعلمون أنها قدح فيما علموه بالحس والاضطراب. فمن قدر على حلها وإلا لم يتوقف حزمه بما علمه بحسه واضطراره على حلها.
وكذلك الحال في الشبه التي عارضت ما أخبر به الرسول صلىاللهعليهوسلم سواء ؛ فإن المصدق به وبما جاء به يعلم أنها لا تقدح في صدقه ولا في الإيمان به ، فإن عجز عن حلها فإن تصديقه بما جاء به الرسول ضروري. وهذه الشبهة عنده لا تزيل ما علمه بالضرورة ، فكيف إذا تبين بطلانها على التفصيل؟ يوضحه.
(موافقة صريح العقل لصحيح النقل)
الوجه الحادي والأربعون وهو : أن الرسول صلىاللهعليهوسلم بين مراده. وقد تبين أكثر مما تبين لنا كثير من دقائق المعقولات الصحيحة ، ومعرفتنا بمراد الرسول صلىاللهعليهوسلم من كلامه فوق معرفتنا بتلك الدقائق إذا كانت صحيحة المقدمات في نفسها صادقة النتيجة غير كاذبة فكيف إذا كان الأمر فيها بخلاف ذلك؟ فتلك التي تسمى معقولات قد تكون خطأ ولكن لم يتفطن لخطئها. وأما كلام المعصوم صلىاللهعليهوسلم فقد قام البرهان القاطع على صدقه ، ولكن قد يحصل الغلط في فهمه فيفهم منه ما يخالف صريح العقل فيقع التعارض بين ما فهم من النقل وبين ما اقتضاه صريح العقل فهذا لا يدفع. ولكن إذا تأمله من وهبه الله حسن القصد وصحة التصور تبين له أن المعارضة واقعة بين ما فهمه النفاة من النصوص وبين العقل الصريح ، وأنها غير واقعة بين ما دل عليه النقل وبين العقل.
ومن أراد معرفة هذا فليوازن بين مدلول النصوص وبين العقل الصريح ليتبين له مطابقة أحدهما للآخر ، ثم يوازن بين أقوال النفاة وبين العقل الصريح ، فإنه يتبين له حينئذ أن النفاة أخطئوا خطأين ، خطأ على السمع ، فإنهم فهموا منه خلاف مراد المتكلم ، وخطأ على العقل بخروجهم عن حكمه.
الثاني والأربعون : أن المعارضين بين العقل والنقل الذي أخبر به الرسول صلىاللهعليهوسلم قد اعترفوا بأن العلم بانتفاء المعارض مطلقا لا سبيل إليه ، إذ ما من معارض نفسه إلا ويحتمل أن يكون له معارض آخر. وهذا مما اعتمد صاحب «نهاية العقول» وجعل السمعيات لا يحتج بها على العالم بحال.