الوجه السادس والأربعون : أنه سبحانه بين لعباده بأنه يبين لهم غاية البيان ، وأمر رسوله بالبيان. وأخبر أنه أنزل عليه كتابه ليبين للناس ولهذا قال الزهري : «من الله البيان وعلي الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم» ؛ فهذا البيان الذي تكفل به سبحانه وأمر به رسوله إما أن يكون المراد به بيان اللفظ وحده ، أو المعنى وحده ، أو اللفظ المعنى جميعا. ولا يجوز أن يكون المراد بيان اللفظ دون المعنى ، فإن هذا لا فائدة فيه ، ولا يحصل به مقصود الرسالة.
وبيان المعنى وحده بدون دليله ، وهو اللفظ الدال عليه ، ممتنع ، فعلم قطعا أن المراد بيان اللفظ والمعنى ، فكما نقطع ونعلم أن الرسول صلىاللهعليهوسلم بين اللفظ فكذلك نتيقن أنه بين المعنى ، بل كانت عنايته ببيان المعنى أشد من عنايته ببيان اللفظ وهذا هو الذي ينبغي ، فإن المعنى هو المقصود ، وأما اللفظ فوسيلة إليه ، فكيف تكون عنايته بالوسيلة أهم من عنايته بالمقصود؟ وكيف يتيقن بيانه للوسيلة ولا يتيقن بيانه للمقصود؟ وهل هذا إلا من أبين المحال فإن جاز عليه أن لا يبين المراد من ألفاظ القرآن ، جاز أن لا يبين بعض ألفاظه. فلو كان المراد منها خلاف حقائقها وظواهرها دون مدلولاتها ـ وقد كتمه عن الأمة ولم يبينه لها. كان ذلك قدحا في رسالته وعصمته ، وفتحا للزنادقة من الرافضة وغيرهم باب كتمان بعض ما أنزل الله ، وهذا مناف للإيمان به وبرسالته ، يوضحه :
(الرد على من قال : أن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين)
الوجه السابع والأربعون : إن القائل بأن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين ، إما أن يقول : إنها تفيد ظنا أو لا تفيد علما ولا ظنا. فإن قال : لا تفيد علما ولا ظنا فهو مع مكابرته للعقل والسمع والفطرة الإنسانية من أعظم الناس كفرا وإلحادا.
وإن قال : بل تفيد ظنا غالبا وإن لم تفد يقينا ، قيل له : فالله تعالى قد ذم الظن المجرد وأهله ، فقال تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) فأخبر أن الظن لا يوافق الحق ولا يطابقه ، وقال تعالي : (إِنْ